البيئة وأثرها في تكوين شخصية الإنسان

البيئة وأثرها في تكوين شخصية الإنسان

قمرشعبان الندوي

هذا أمر طبيعي أن الإنسان يتأثر بما يعاشره من جوّ وبيئة، ولهما من دور يستحيل إنكاره في تثقيف الإنسان وتكوين شخصيته. فإذا كان تثقيفه بثقافة دينية علمية أدبية يكون رجلا متدينا ذاعلم وأدب وفضل وكمال، وإذاكان عكس ذلك تكون نتيجته حسب الثقافة والتربية، وقد أثرت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في بيان تأثير المصاحبة والمجالسة.

هذا بالنسبة إلى البيئة والتربية والثقافة، وهناك جوهر آخر يقوم بدوربالغ في تكوين الشخصية، وهو أثرالسلالة والأسرة وقد أوضح ذلك الشيخ أبوالحسن الندوي في ضوء علم التشريح يعني دراسة التركيب الجسدي فقال:

"لقد دلّ علم التشريح وهو دراسة التركيب الجسدي (Anatomy) وعلم النفس، وعلم الأخلاق، وعلم الاجتماع، على تأثير الدم والسلالات في أخلاق الأجيال وصلاحياتها ومواهبها وطاقاتها، إلى حدّ معيّن، وفي أكثر الأحوال، وذلك عن ثلاث طرق:

الأول: القيم والمثل التي مازال آباء هذه الأسرة وأجدادها يؤمنون بها أشدّ الإيمان، ويحافظون عليها –أو يحاولون أن يحافظوا عليها- أشدّ المحافظة، ويتنبّلون بها ويتمجّدون، ويعتبرون من ثارعليها من أبناء الأسرة أو خالفها وحاد عنها، شاردا غريبا، ويرون في ذلك غضاضة، وسقوط همّة، وقلّة مروءة، وعقوقا للآباء وإساءة إليهم، لاتغتفر في "شريعة" هذه الأسرة العرفية المتوالية.

الثاني: حكايات الآباء وعظماء الأسرة، في البطولة والفتوّة والفروسية، والشهامة والألفة والإباء، والجود والسخاء، وحماية المظلومين والضعفاء، تتناقلها الأجيال بعدالأجيال وتتباهى بها، وذلك من سنّ مبكّرة ومن أيام الصّباء، إلى سنّ الشباب والكهولة، فتؤثر في تكوين عقليتها ومشاعرها، وتعيين المقاييس للعظمة، والرجولة، والبرّبالآباء ، وتبرير شهرة الأسرة والسلالة.

الثالث: تأثير الدم الموروث في أعضاء الأسرة كابراً عن كابر، في أسرة حافظت على أنسابها وأصالتها، وذلك ما أيّده علم السلالات.

وقد نطق بذلك شعراء العرب، فقال الشاعر الحماسي ربيعة بن مقروم الضّبّي، وهو شاعر مضري مخضرم:

هجان الحيّ كالذّهب المصفّى صبيحـة ديمة يجنيه جان

وقال الحطيئة:

مطاعين في الهيجاء، مكاشيف للدّجى بنى لهم آباؤهم وبنى الجدّ

وذلك كله إلى حدّ معيّن وفي أكثرالأحوال، وليس شيء من ذلك كلية مطلقة، وقاعدة مطّردة، لاتقل استثناء ولا شذوذا كالسنن الإلهية التي قال الله عنها:

"فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا" (١)

وذلك ما نطق به لسان النبوّة في حكمة النبوّة ولبلاغتها، وفي دقة وحكم سليم موزون امتازبه الكلام النبوي وشهادات الأنبياء الصادقين وتعبيرهم عن الحقائق، فقد روى أبوهريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:

"الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا")٢(، وقال: "من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه")٣(

وذلك ليس في شيء من تقديس الدم الموروث الدائم، وتركّز الرئاسة الدينية والزعامة الروحيةوالعلمية في أسرة معيّنة" (٤)

هذه دراسة لعلم التشريح، وفيها بعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، التي اتّضح فيها أن البيئات، والسلالات لها من أثر قوي في تكوين الشخصية، بينما اتّضح أن مجرّد السلالة ليست من شيء يؤثر في ذلك، وإنما السعادة تقتضي مع ذلك الرغبة الشخصية في تكوين شخصيته، وفي الصعود على أوج الكمال من العلم، والأدب، والديانة، والتقوى.

.........................................

الهوامش:

־ القرآن الكريم: سورة الفاطر، الآية رقم: ٤٣.

٢־ مسند الإمام أحمد بن حنبل، مسند أبي هريرة، ج:٢، ص:٥٣٩.

٣־ الجامع الصحيح لمسلم: كتاب الذكروالدعاء، والتوبة.

٤־ أبوالحسن الندوي:المرتضى، (العربي) لكناؤ ٢٠٠٣م. ص:١٥־١٧.

Comments

Popular posts from this blog

الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى

النظريات الأدبية في الأدب العربي بين الأصالة والمعاصرة