الأبعاد القيمية في كتابات أبي الحسن علي الحسني الندوي

الأبعاد القيمية في كتابات أبي الحسن علي الحسني الندوي
د. قمرشعبان الندوي

بين أيديكم إطلالة سريعة وخاطفة تحاول بلورة ما حققه وأنجزه الإمام الندوي من جهود ومساع في تثمين القيم الإنسانية والخلقية المستوحاة المستهلمة من الوحي السماوي الرباني ، ومن حياة السلسلة المقدسة للأنبياء، ومن نماذج المصلحين الربانيين الذين عاشوا لصالح المجتمعات البشرية، والحياة الإنسانية ذات الصلة بالباطن مع الظاهر، وبالروح مع الجسم، وبالعقل مع المشاعر وبالذكاء مع الأفكار والاتجاهات من دون تمييز بين مسلم وغير مسلم.
فالنبي لايخاطب من يؤمن به ويحترمه ويقدره فحسب، بل خطابه عام وتوجيهي واضح فصل لاغبار عليه، يطمع في تكوين القيم الإنسانية في الإنسان، وتشكيل حياته، وتحقيق ما خلقه ربه من غايات طاهرة مملوءة بالعفاف والروحانية والإخلاص، والأخلاق النبيلة المجتذبة للأنظار والأذواق.
 فالعلامة المفكر، والأديب الإسلامي الكبير، أبو الحسن الندوي –رحمه الله- يبذل مساعيه العلمية والأدبية والفكرية بهذه العاطفة الربانية ممثلا الرسالة السماوية التي بعث من أجلها الأنبياء والمرسلون، واستمات في سبيلها الدعاة والمجاهدون المصابرون المرابطون، عبر التاريخ، فإن المؤلفات التي نبعت من يراعة إمامنا الندوي في الأدب والتاريخ والفكر والتجديد ممثلة ومعبرة عن القيم الإسلامية والإنسانية التي تنهض بالجيل الجديد والأجيال المقبلة إلى دروب تؤدي إلى النجاح في جميع المستويات الأخلاقية والدينية والقيمية والفكرية، وإن إمامنا الندوي، رؤيته في الأدب هي رؤية جمال الأذواق والأرواح والعقول والقلوب معاً، فإنه يهدف عن طريق مؤلفاته الأدبية إلى إنشاء جيل يتمكن من قيادة النوع البشري فرادى وجماعات إلى ماهو الأصلح والأنفع في الدنيا والآخرة، وإنه في خضم كتاباته الأدبية التي أنجزها للأطفال بوجه مخصوص من سلسلة قصص النبيين، (خمسة أجزاء) والقراءة الراشده (ثلاثة أجزاء) وقصص من التاريخ الإسلامي، ومختاراته في جزئين، لايريد تعليم اللغة العربية والأدب العربي فحسب بل يطمع ويطمح وينوي على إعداد جيل من الأدباء والكتاب والباحثين الذين لاتكون غايتهم بإبداعاتهم وإنتاجاتهم  إلا ما له من أهمية في ميزان القيم الإنسانية والإسلامية والأخلاقية الأصيلة التي تبعث الناس على التفاؤل بدل التشاؤم، وعلى التفعيل بدل الانفعال، وعلى الاتجاه البناء بدل التخريب والهدم.
يرحب الإمام الندوي في كتاباته بالأدب الذي يضمن طمأنينة القلب والروح مع النشاط العقلي والفكري، ومع الجمال الذوقي، ويرفض الأدب الذي يثير الغرائز ويؤدي إلى الكآبة والملل، الذي هو شائع في كثير من الصنوف الأدبية المعاصرة التي نجزت بجهود النزعات الشيوعية واللادينية والمادية والفلسفة الوضعية اليوم.
وأما مؤلفات الإمام الندوي الفكرية المتسمة بالمسحات التاريخية ومعالجة القضايا الحضارية والإنسانية والسياسية من أمثال: 1- ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، 2- أحاديث صريحة في أمريكا، 3- ارتباط مسيرة الإنسانية و مصيرها بقيام المسلمين بواجبهم، 4- إزالة أسباب الخذلان أهم من إزالة آثار العدوان، 5- الإسلام أثره في الحضارة و فضله على الإنسانية، 6- الإسلام فوق القوميات والعصبيات، 7- الإسلام والحضارة الإنسانية، 8- الإنسانية تنتظركم أيها العرب، 9- أهمية الحضارة في تاريخ الديانات وحياة أصحابها، 10- بين الإنسانية و أصدقائها، 11- تضحية شباب العرب قنطرة إلى سعادة البشرية، 12- حاجة البشرية إلى معرفة صحيحة ومجتمع إسلامي، 13- حاجة العالم إلى الدعوة الإسلامية، 14- حاجة العالم إلى مجتمع إسلامي مثالي أفضل، 15- الحضارة الغربية الوافدة وأثرها في الجيل المثقف كما يراه شاعر الهند الكبير لسان العصر أكبر حسين الإله آبادي، 16- دور الأمة الإسلامية في إنقاذ البشرية وإسعادها، 17- رسالة سيرة النبي الأمين إلى إنسان القرن العشرين، 18- العقيدة والعبادة والسلوك، 19- فضل البعثة المحمدية على الإنسانية، 20- قيمة الأمة الإسلامية بين الأمم ودورها في العالم، 21- كارثة التعصب اللغوي والثقافي، 22- معقل الإنسانية، 23- وامعتصماه!!!، 24- اسمعوها مني صريحة أيها العرب، و واسمعياته التي خاطب بها العرب في عصور ومناسبات مختلفة فكلها ما يؤدي دورا رياديا في تشكيل الآراء ووجهات الأنظار على نطاق واسع وآفاقي من أشهر هذه الاسمعيات :  اسمعي يا زهرة الصحراء، و اسمعي يا سورية، واسمعي يا مصر، واسمعي يا إيران.
أبعاد القيم الإنسانية لدى الإمام الندوي تتجلى  في أدب الأطفال أولا لترسيخ المفهوم الحقيقي لكرامة الإنسان والقيم الخلقية مستلهما من حياة الأنبياء، فإن الأنبياء هم الأسوة والقدوة للإنسانية، والمثل الكامل في الأخلاق والأذواق، والسلوك والقيم، لقد عالج أبو الحسن الندوي عددا كبيرا من حياة الأنبياء، وتعاليمهم التي تمثل ديانات سماوية مختلفة في التاريخ البشري، والأنبياء الذين عالجهم الإمام الندوي في هذا الكتاب، هم: إبرهيم ويوسف ونوح وهود وصالح وموسى وشعيب وداؤود وسليمان وأيوب ويونس وزكريا ويحيى وعيسى-عليهم السلام جميعا-، وفي الأخير محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وهو نبي الرحمة ونبي الإنسانية وليس نبي المسلمين فحسب.
فإنه تناول حياة إبراهيم ويوسف وموسى وعيسى بقدر من التفصيل، وهؤلاء هم الأنبياء الذين يؤمن بهم اليهود والنصارى، وحياة محمد صلى الله عليه وسلم فهي قدوة للإنسانية وهي رحمة للعلمين: "وما أرسلناك إلا رحمة للعلمين"، فأبو الحسن الندوي نوى على استلهام المعنى الإنساني ودلالات القيم الإنسانية ومفاهيميها من حياة النخبة المقدسة من نوع البشر، وهم الأنبياء، وأما كتبه قصص من التاريخ الإسلامي، ورجال الفكر والدعوة في الإسلام، وكتب عن الإمام الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، والإمام السرهندي، وسيد أحمد الشهيد، ومحمد إلياس الكاندهلوي فهي مجموعة حياة الدعاة والمجددين والمصلحين في عصور مختلفة وفي بلاد مختلفة، وهذه الطائفة من الناس مثال ونموذج للقيم الخلقية والإنسانية والتربوية يتخذها الناس مسلما كان أو غير مسلم نبراسا لحياته الفردية والجماعية، وكل ما بذلت هذه الثلة النموذجية من جهود في سبيل نشر الخير فيما بين الناس من دون تمييز بين إنسان وإنسان، وبين قريب و غريب، وبين غني و فقير تستحق كل التقدير، فقد أدى الإمام الندوي واجبه في تناول القيم الإنسانية من خلال حياة هذه الطائفة.
وأما حركة الرسالة الإنسانية التي هتف بها الإمام الندوي منذ مطلع الخمسينيات وكلف أتباعه على النهوض بها فهي تتسم بروح الدعوة إلى احترام الإنسان على أساس الإنسانية، فقد جمع تحت مظلة هذه الحركة الأشتات من الناس من الديانات: الهندوسية والمسيحية والسيخية والبوذية والشرقية والغربية، ومن كل الألوان، والمثقف وغير المثقف ليشرح أمامهم معنى القيم الإنسانية والخلقية، وتثمين المواخاة والمواساة والمواطنة والود والتحابب فيمابينهم.
والإمام أبو الحسن الندوي يعالج القضايا الإنسانية والقيمية والأخلاقية والفكرية في المنظور الإسلامي القرآني، لأنه يرى الإسلام دينا إنسانيا عالميا، وأسلوب حياة كاملا وجامعا، ولايوجد عنده طريق أصح وأسلم وأنسب لتأصيل وتوطيد وتأكيد معنى القيم الإنسانية والأخلاقية في عقول الناس ونفوسهم وقلوبهم إلا بغرس بذور المحبة والأخوة والمواطنة التي تنبثق وتنفجر ينابيعها الصافية النقية من الوحدتين الأساسيتين العالميتين: وحدة الأب ووحدة الرب، اللتان تتمثلان في القولة النبوية التاريخية: "إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، لافضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى".




Comments

Popular posts from this blog

الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى

البيئة وأثرها في تكوين شخصية الإنسان

النظريات الأدبية في الأدب العربي بين الأصالة والمعاصرة