المسحة القرآنية في الأعمال التجديدية


بسم الله الرحمن الرحيم

المسحة القرآنية في الأعمال التجديدية

 لبديع الزمان النورسي:
 دراسة في رسائل النور"


إعداد وتقديم:
قمرشعبان الندوي
محاور البحث:
1-   تعريف النورسي بالقرآن الكريم تعريفا يشمل جميع أمور الحياة من الشريعة، وفلسفة وجود الكون، والسلوك، والطبيعة.
2-                        النورسي وتمسكه بالقرآن، وتعامله معه.
3-                        استدلال النورسي بالقرآن في رسائل النور.
4-   سرد الآيات الواردة في بدايات "الكلمات" على وجه الخصوص وتحليل الكلمة الأولى تحليلا مستخلصاً من معاني آي من الذكرالحكيم.
5-   التمثيل، والحكاية، والتشبيه، والاستعارة التي استعملها النورسي في هذه الكلمة، وتطبيقها في القرآن الكريم.
6-   النورسي واستدلاله بالقرآن الكريم في بيان حقيقة الكون، وذم المادية المطلقة، والسببية، والفلسفة الوضعية التي يتأسس عليها بناء الحضارة الغربية والأوروبية كلها.
7-                        دعوة النورسي الإنسانية جمعاء عن طريق رسائله إلى الحقائق المبينة في القرآن الكريم.


تعريف القرآن عند النورسي:
ما أحلى البداية! وما أطيب الاستهلال! بما قاله النورسي في القرآن، وعن القرآن تعريفاً به، ووصفاً له، إذ قال:
  "فان قلت: القرآن ما هو؟
قيل لك: هو الترجمةُ الأزلية لهذه الكائنات، والترجمانُ الأبدي لألسنتها التاليات للآيات التكوينية، ومفسّرُ كتاب العالَم. وكذا هو كشافٌ لمخفيات كنوز الأسماء المستترة في صحائف السموات والأرض. وكذا هو مفتاحٌ لحقائق الشؤون المضْمَرة في سطور الحادثات. وكذا هو لسان الغيب في عالم الشهادة. وكذا هو خزينةٌ للمخاطبات الأزلية السبحانية والالتفاتات الأبدية الرحمانية. وكذا هو أساسٌ وهندسةٌ وشمسٌ لهذا العالم المعنوي الإسلامي. وكذا هو خريطةٌ للعالم الأُخروي. وكذا هو القولُ الشارح والتفسيرُ الواضح والبرهان القاطع والترجمان الساطع لذات الله وصفاته وأسمائه وشؤونه. وكذا هو مربٍّ للعالم الإنساني، وكالماء، وكالضياء للإنسانية الكبرى التي هي الإسلامية. وكذا هو الحكمة الحقيقية لنوع البشر، وهو المرشد المهدي إلى ما خُلِقَ البشرُ له. وكذا هو للإنسان: كما أنه كتابُ شريعةٍ كذلك هو كتاب حكمةٍ، وكما أنه كتابُ دعاء وعبودية كذلك هو كتابُ أمرٍ ودعوة، وكما أنه كتابُ ذكرٍ كذلك هو كتابُ فِكر، وكما أنه كتابٌ واحد لكن فيه كتبٌ كثيرةٌ في مقابلة جميع حاجات الإنسان المعنوية، كذلك هو كمنزل مقدسٍ مشحون بالكتب والرسائل. حتى إنه قد أبرز لمشْرَب كلِّ واحدٍ من أهل المشارب المختلفة، ولمسلك كلِّ واحدٍ من أهل المسالك المتباينة من الأولياء والصديقين ومن العرفاء والمحققين رسالةً لائقةً لمذاق ذلك المشرب وتنويره، ولمساق ذلك المسلك وتصويره حتى كأنه مجموعة الرسائل".(1)
يتبلور من هذا التعريف أن النورسي يرى القرآن الكريم، وما يحويه من رسالة سماوية سرمدية خالدة، ومن حقيقة كونية طبيعية، ومن أحكام شرعية لحياة الإنسان الفردية والجماعية، رؤية توحيدية متكاملة مستلهمة من معنى الوحي السماوي الأول على نبينا المصطفى محمد-صلى الله عليه وسلم- في غار حراء، وهو:
"إقرأ  باسم  رب الذي خلق. خلق الإنسان من  علق. إقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم.(2)
فهناك قراءتان: قراءة المكتوب، وهو القرآن الكريم، وقراءة المخلوق، وهو الكون،  وما فيه من إنس، وجماد، ونبات، وحيوان، وكل المخلوقات السماوية، والأرضية، والبحرية، والهوائية. فالنورسي يرى أن الإنسان لايتحقق نجاحه، ولايتحقق خروجه من مأزق الذل،  والهوان، ومن وديان الخسارة الفادحة إلى درب الفوز والنجاح إلا بالتمسك بحبل الله المتين، وتقوية الأسس الإيمانية، وتأصيل وتعميق جذور عقيدة التوحيد. والنورسي يتأمل في الكون ويتفكر فيه، امتثالا بما أمره الله تعالى في كتابه:
"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق"(3)
"أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء  كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت.(4)
أفلم  يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها، أو آذان يسمعون بها، فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.(5)
ولكن النورسي لا يتفكر في أي شيء إلا بإطار قرآني، ولا ينظر إلى شيء من الكون إلا بمنظار الآيات القرآنية، فجهوده الدعوية، وأعماله التجديدية التي تشكلت في رسائل النور كلها تفسير معنوي، وتحليل علمي للقرآن الكريم، فإنه عرف بالقرآن تعريفا تترشح فيه وظيفة كل مخلوق من المخلوقات، ويشمل جيع نواحي الحياة الإنسانية من عقيدة، وإيمان، وخلق، ومعاملة، ومعاشرة، وسلوك، وفلسفة وجود الكون.
ولقد تدل رسائله دلالة واضحة على أن حياة  النورسي كلها حافلة بخدمة القرآن الكريم، وكتاباته كلها مملوءة بالمعنى القرآني، وبالروح القرآنية الصافية يمكن أن يرى فيها الإنسان صورة حياته، وحقيقة أعماله.
مؤامرة الاستعمار البريطاني ضد القرآن:
والشيئ الذي التهبت من أجله جمرته الإيمانية، وغيرته القرآنية، وغضبه الشديد هو الدسيسة الخبيثة للوزير البريطاني وليم إوارت غلادستون ضد القرآن الكريم، وتعاليمه، ووجوده فيما بين المسلمين، إذ أعلن في مجلس العموم البريطاني عام1894م، وهو يحمل المصحف القرآني بيده، ويهزّه على رؤوس النواب الإنكليز، ويقول لهم بأعلى صوته:
"مادام هذا الكتاب موجوداً فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان. لذا، لابدّ لنا من أن نعمل على إزالته من الوجود، أو نقطع صلة المسلمين به".

رد النورسي على هذه المؤامرة الاستعمارية:
لقد تألم لذلك النورسي، وصرخ بقولته التاريخية الخالدة التي لم تكن أقل من صاعقة على المستعمرين الأوروبيين، ومن والاهم، فقال:
"لأبرهننّ للعالم أجمع، بأن القرآن العظيم شمس معنوية لا يخبو سناها، ولا يمكن إطفاء نورها".
وظل يرشد الشعب التركي إلى التحلي بتعاليم القرآن، والاحتذاء بحذوه، بصيحاته التي لايزال يرن صداها في خضم صفحات رسائل النور،  فصاح مرة:
"نقضي على ظلمة الجهل برسالة القرآن"
و"لا بد أن نحيا حياتنا الإسلامية، وننظمها بالمبادئ  الإسلامية، حتى ننتفع بها في واقعنا اليوم، ونستفيد منها في حياتنا الأخروية".
لقد كان النورسي اتخذ القرآن الكريم منارة اهتدى بنورها، ونجما متألقا في أفق السماء، يمشي على درب النجاح بضياءه، وشمسا معنوية ترسل أشعتها إلى كل قريب وبعيد، وقمرا يستنار بنوره في الليالي الفحماء، فمجموعة رسائل النور أو كليات رسائل النور من:
1-            كلماتها.
2-            مكتوباتها.
3-            لمعاتها.
4-            شعاعاتها.
5-            إشاراتها أي إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز.
6-            مثنوياتها أي المثنوي العربي النوري.
7-            ملاحقها.
8-            صيقلها أي صيقل الإسلام.
9-            الخطبة الشامية.
10-        السيرة الذاتية للمؤلف.
مليئة باستشهادات، واستدلالات قرآنية، ولا توجد فيها رسالة إلا وهي تستهل بآية قرآنية، أو  تختم بها، أو ترد في وسطها، أو فيها بيان مستخلص ومستلهم من معاني القرآن الكريم.
يقول النورسي عن حقيقة رسائل النور:
"إن رسائل النور تفسير معنوي للقرآن الكريم، ومعجزة معنوية له".(5)
وأضاف قائلاً:
"بلغت القرآن الكريم، وشاهدت أن كل آية كريمة منه تحيط بالكون إحاطة تامة، وبعد ذلك أغناني  القرآن عن غيره".(6)  
واستطرد قائلا:
"وهبت روحي مجانيةٌ، وإعراضٌ عن أي كتاب آخر سوى القرآن الكريم.
فأدركت أن الذي دفعني إلى ترك المطالعة التي كانت تسليتي الوحيدة في مثل هذه الغربة[1]، ليس إلا كون الآيات القرآنية وحدها أستاذًا مطلقاً لي".(7)  
وقال:
"ولا جرم أن رسائل النور ملك القرآن ومعناه".(8)
المعاني الخمسة للآيات القرآنية:
يبدوا جليا لدارس هذه الرسائل، ولمحللها أنها تتمحور حول العناصر الخمسة أو المعاني الخمسة لآيات القرآن الكريم التي لخصها الشاه ولي الله  الدهلوي في كتابه:"الفوز الكبير"(9)،  وهي على النحو التالي:
1-   آيات الأحكام: هي التي تستخرج منها المسائل للحياة الإسلامية من عباداتها، ومعاملاتها، ومعاشرتها، وسياساتها، وقضاياها الشرعية، فالفقه الإسلامي مع أصوله، وفروعه، ومبادئه، مستخرج، ومستنبط من هذه الآيات.
2-            آيات الاعتقاد والجدل: التي تتعلق بالعقيدة، والإيمان، وتوحيد الألوهية والربوبية.     
3-            آيات التذكير بآلاء الله: هي التي تتعلق بالكون، وحياة الإنسان التكوينية.
4-            آيات التذكير بأيام الله: التي تتعلق بأحوال الأقوام السالفة من خيرها وشرها.
5-            آيات التذكير بالموت، والحشر، وقيام الساعة.
فرسائل النور بصفتها تفسيرا علميا، ومعنويا للقرآن الكريم تتسم بهذه العناصر الخمسة أو بهذه المعاني الخمسة للآيات القرآنية، فيها رسائل تسلط الأضواء على أهمية العلوم الشرعية، ومدى حاجة الإنسان المسلم المؤمن إليها من فرض، وواجب، وحلال، وحرام، ومكروه.  وفيها رسائل تتحدث عن الاعتقاد، وأسس الإيمان، والتوحيد، وفيها رسائل تعالج الأمور الكونية الطبيعية، من نظام الكواكب، وتكوين المجتمع البشري، فرداً وجماعة، وفيها رسائل تعالج أحوال الأمم البائدة، والباقية من أقوام نوح، وصالح، وهود، وإبراهيهم، وموسى، وعيسى-عليهم السلام جميعا- وما طرأ عليهم من عذاب، وعقاب، وفيها رسائل التذكير بالموت، ودعوة الإيمان بالآخرة، وقيام الساعة، والحساب أمام الواحد القهار رب السماوات والأرضين.
استدلال النورسي بالقرآن وتعامله معه:
والحق أن رسائل النور ليست كتاب فقه وفتوى، ولاكتاب تاريخ وجغرافية، ولا كتاب علم طبيعي، وفلَك، وكيمياء، ولكنه ألبتة كتاب فيه الفقه، وفيه التاريخ، وفيه الجغرافية، وفيه الطبيعة، وفيه الفلَك، وفيه الكيمياء، وكل ذلك تابع للآيات البينات للقرآن الكريم، خاض النورسي في المحيط القرآني خوضا مخلصا مجهدا نفسه، وعقله، وذهنه، وقلبه، وأحاسيسه، وشعوره، ويقينه، وفكره، واستخرج منه اللآلي، والدرر، واليواقيت، والمراجين، ومزجها مزجا، وصنع منها درة أو لؤلؤة، وهذه اللؤلؤة هي رسائل النور.
   رسائل النور تفسر القرآن باعتباره هداية للبشرية جمعاء، بدون فرق بين شرق الدنيا، وغربها، وبين عربها، وعجمها، وبدون فرق بين من أسلم، ومن لم يسلم، الإسلام دين، وصراط، وطريق تستقيم سويا إلى هدف النجاح، والسعادة، وهو تمنع الإنسان من أن يضل في الطريق السوي، ويمشي في الطرقات الضالة المضلة التي بين ذلك القرآن الكريم:
"وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله"(10)
لقد أجهد النورسي نفسه بتوفيق الله تعالى، ومشيئته أن يفسر القرآن الكريم، ويقوم بتفهيم القيم الإسلامية الإنسانية القرآنية لا كعمل علمي مجرد، وإنما فعل ذلك لهداية للإنسان، والمجتمع البشري، لأنه كان يتوجع ويتألم للظروف، والأوضاع المقلقة للأمة الإسلامية التركية على وجه الخصوص، ولإنسان ذلك العصر على وجه العموم، وقد جعلت المحاولات الاستعمارية اللادينية الاشتراكية الشعب التركي لايستطيعون أن يدركوا ما يجري حولهم في المناهج التعليمية، والتفكيرية، والسلوكية، من خلل في منظور الإسلام والقرآن، وذلك كله فقط لابتعاد هذه الأمة عن القرآن الكريم وتعاليمه السمحة الخالدة، فأصبح الإسلام في هذه الظروف المتأزمة القاسية على مصداقية قول الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم:
 "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء".(11)
والنورسي كان على كامل يقين بأن القرآن الكريم، هو الذي وحده ينير سبل الإنسانية التائهة، وفيه مفتاح كنوز سعادة الإنسانية، ونجاحها، مستلهما من الآية القرآنية:
        "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" (12)   
الآيات الواردة في بدايات "الكلمات":
ولا يمكن لباحث أن يدرس في مقالة صغيرة متواضعة كهذه، الجهات المتنوعة للقرآن الكريم، التي تتسم بها رسائل النور، من الإعجاز ، ووجوهه المختلفة، والبلاغة، وأنواعها المتنوعة، ومن التفسير العلمي، والمنطقي، والتمثيلي، للقرآن الكريم، فهاهي ذا إطلالة سريعة، ونظرة عابرة على الآيات الواردة في مجموعة "الكلمات".
تقع الكلمات في ثلاث وثلاثين كلمةً، وكل كلمة منها تبدأ بقطعة آية قرآنية، أو بآية كاملة، أو بآيات عديدة، أو بقطعة حديث نبوي شريف.
-فالكلمة الأولى تبدأ بالحديث عن "بسم الله" وأهميته، لقد بدأت كل سورة من سور القرآن الكريم، بـــــــ"بسم الله"، وكما ورد في سورة "النمل" في قصة نبي الله سليمان-عليه السلام-، حيثما أرسل رسالة إلى ملكة سبأ، فقال:
  "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم"(13)
-والكلمة الثانية، بدأت بالحديث عن الإيمان بالغيب في ضوء قطعة آية من سورة البقرة:
  "الذين يؤمنون بالغيب"(14)
-الكلمة الثالثة، بدأت بقطعة آية من سورة البقرة نفسها، وفيها خطاب عام إلى الإنسانية جمعاء:
  يا أيها الناس اعبدوا ربكم "(15)
-الكلمة الرابعة، بدأت بقطعة من حديث نبوي شريف، يتكلم عن أصل الصلاة وفرضيتها:
"الصلاة عماد الدين".
-الكلمة الخامسة، بدأت بقطعة آية من سورة النحل، وهي:
"إنَّ الله مَعَ الذينَ اتّقوا والذينَ هُمْ مُحْسِنون" (16)
-الكلمة السادسة، بدأت بآية من سورة التوبة، وهي:
"إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفُسَهم وأموالَهم بأنّ لَهم الجنة" (17)
-الكلمة السابعة، تبدأ  بــــــ:"آمنت بالله وباليوم الآخر".
-الكلمة الثامنة، بدأت بقطعتين من آيتين من سورة البقرة وآل عمران، وهما:
"الله لا إله إلاّ هو الحيّ القيوم" (18)
"اِنّ الدينَ عند الله الاسلام" (19)
-الكلمة التاسعة،  بدأت بآيتين من سورة الروم، وهما:
"فسبحن الله حين تمسون وحين تصبحون. وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون".(20)
وتتحدث هذه الكلمة عن قدسية الخالق، والدعوة إلى تسبيحه، وتحميده، وتهليله، وفي هذه الكلمة حكمة الصلوات الخمس، ومواقيتها، ومعنى الصلاة، والعبودية، والدعاء، والسجود.
-الكلمة  العاشرة، في مبحث الحشر، وتبدأ بآية من سورة الروم، وهي:
"فَانْظُرْ اِلى آثَارِ رَحْمَتِ الله كَيْفَ يُحْيي اْلأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا اِنَّ ذَلِكَ لَـمُحْيي الـمَوْتىَ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدير" (21)
-الكلمة الحادية عشرة، بدأت بآيات من سورة الشمس، وهي:
"والشمسِ وضُحاها_ والقمرِ إذا تلاها_ والنهارِ إذا جلاّها_ واليّل إذا يَغْشَاها_ والسماِء ومَا بناها_ والأرضِ وما طَحاها_ ونفسٍ وما سوَّاها" (22)
-الكلمة الثانية عشرة بدأت بآية من سورة البقرة، وهي:
"ومَن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً" (23)
-الكلمة الثالثة عشرة، بدأت بقطعتين مختلفتين من سورة الإسراء، ويس، وهما:
"ونُنـزّل من القرآنِ ما هو شِفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين" (24)
"وما علّمناه الشِعْرَ وَمَا يَنْبَغي لهُ" (25)
-الكلمة الرابعة عشرة، بدأت بآية من سورة هود، وهي:
"الر كتابٌ اُحكمت آياتُه ثم  فُصّلت من لدُن حكيمٍ خبير"(26)
-الكلمة الخامسة عشرة، بدأت بآية من سورة الملك، وهي:
"ولقد زيّنا السماءَ الدنيا بمصابيحَ وجعلناها رُجوماً للشياطين" (27)
-الكلمة السادسة عشرة، بدأت بآيتين من سورة يس، وهما:
"إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيئ وإليه ترجعون".(28)
-الكلمة السابعة عشرة، بدأت بقطعات من ثلاث آيات من سورة الكهف، وسورة الأنعام، وهي:
"إنّا جَعَلْنا ما عَلى الأرض زِينَةً لها لِنَبْلُوَهم أيُّهم أحْسنُ عَمَلاً_ وإنَّا لَجاعلونَ ما عَلَيْها صَعيداً جُرُزاً" (29)
"وما الحياةُ الدنيا إلاّ لعبٌ ولَهْوٌ" (30)
-الكلمة الثامنة عشرة، بدأت بآية من سورة آل عمران، وهي:
"لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يُحمَدوا بما لم يفعَلوا، فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب ولهم عذابٌ أليمٌ" (31)
-الكلمة التاسعة عشرة، بدأت ببيت شعر عربي في مديح النبي-صلى الله عليه وسلم-، وهو:
ما إن مدحت محمداً  بمقالتي             لكن مدحت مقالتي بمحمد-صلى الله عليه وسلم-،  والبيت لحسان بن ثابت-رضي الله عنه-
وهذه الكلمة كلها تتحدث عن فضل البعثة المحمدية، وعن سيرة نبينا المختار-صلى الله عليه وسلم- وعمن تبعه من الصحابة، والتابعين، والدعاة، والأولياء الصالحين.
-الكلمة العشرون، بدأت بثلاث آيات مختلفة من سورة البقرة، وهي:
"وإذ قُلنا للملائكة اسجدُوا لآدمَ فسجدوا إلاّ إبليس"(32)
"إن الله يأمُركم أن تذبحُوا بقرةً" (33)
 "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة" (34) 
-الكلمة الحادية والعشرون، بدأت بآية من سورة النساء، وهي:
"إنَّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا" (35)
-الكلمة الثانية والعشرون، بآيتين مختلفتين، من سورة إبراهيم، ومن سورة الحشر، وهما:
"وَيـَضْرِبُ الله الأمْثَالَ لِلْنّاسِ لَعَلَهُمْ يَتَذَكَّروُنَ" (36)
"وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نـَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَهُمْ يَتَفَكَّرونَ" (37)
-الكلمة الثالثة والعشرون، بدأت بثلاث آيات من سورة التين، وهي:
"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين.إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون.(38)
-الكلمة الرابعة والعشرون، بدأت بآية من سورة طه، وهي:
"ألله لا إله إلاهو له الأسماء الحسنى" (39)
-الكلمة الخامسة والعشرون، بدأت بملاحظة عن بيان الإعجاز القرآني، وبعد هذه الملاحظة آية من سورة الإسراء، وهي:
"قل لئن اجتمعتِ الإنسُ والجن على أن يأتوا بمثلِ هذا القرآنِ لا يأتونَ بمثلهِ ولو كانَ بعــضُهم لبعـضٍ ظهيراً" (40)
-الكلمة السادسة والعشرون، في رسالة القدر، بدأت بآيتين، إحداهما من سورة الحجر، وأخراهما من سورة يس، وهما:
"واِنْ مِنْ شيءٍ إلاّ عندنا خزائنُهُ وما نُنَزّله اِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلومٍ" (41)
"وكلّ شيءٍ اَْحْصَيناه في إمامٍ مُبينٍ" (42)
-الكلمة السابعة والعشرون، في رسالة الاجتهاد، بدأت بآية من سورة النساء، وهي:
"وَلَو رَدّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمرِ منهُم لَعَلِمه الذين يَستنبطونَه منهم" (43)
-الكلمة الثامنة والعشرون، في ذكر الجنة ونعمها، وقد بدأت بآية من سورة البقرة، وهي:
"وبشّر الذين آمنوا وعملوا الصالحات اَنّ لَهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهارُ كلّما رُزقُوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رُزقنا من قبلُ واُتوا به مُتشابهاً ولهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ وهم فيها خالدون" (44)
-الكلمة التاسعة والعشرون، بدأت بآيتين من سورة القدر، وسورة الإسراء، وهما:
"تَنَزَّلُ الْملئكَةُ وَالرّوُحُ فيهَا بِاذِنِ رَبِّهِمْ" (45)
"قُلِ الروحُ مِنْ أمرِ رَبى" (46)
-الكلمة الثلاثون، فيها مقصدان، المقصد الأول بدأ بآية من سورة الأحزاب، وهي:
"إنا عرضنا الأمانة  على السماوات والأرض والجبال فأبين  أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.(47)
والمقصد الثاني بدأ بآية من سورة سبأ،  وهي:
"وقال الذين كفروا لاتأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينّـكم عالِمِ الغيب لا يعزب عنه مثقالُ ذرّة في السموات ولا في الأرض ولا أصغرُ من ذلك ولا أكبرُ إلا في كتابٍ مبين". (48)
-الكلمةالحادية والعشرون، بدأت بآيتين من سورة الإسراء، وخمس عشرة آية من سورة النجم، وهي كلها على النحو التالي:
"سُبحانَ الذي أسرى بعَبْده، ليلاً منَ المَسجِدِ الحَرَامِ إلى المَسْجدِ الأقصى الذي باركْنَا حَولهُ لِنُريَهُ مِنْ آياتنا إنَّهُ هُوَ السَّمِيْعُ البَصِيرُ" (49)
"إنْ هُوَ إلاّ وَحْي يُوحَى. عَلَّمَهُ شَديدُ القُوى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى.  وهو بالأفُقِ الأعلى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدنَى. فأوْحى إلى عَبْدِه مَا أوْحَى. ما كَذَبَ الفُؤادُ ما رأى. أفَتُمارونَهُ عَلَى مَا يَرى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى. عِندها جَنَّةُ المَأوَى. اإذْ يَغشى السّدْرَةَ ما يَغْشَى. ما زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبّهِ الكُبْرَى"(50)
-الكلمة الثانية والثلاثون، فيها ثلاثة مواقف بدأ الموقف الأول بقطعة آية من سورة الأنبياء، وهي:
  "لو كان فيهما آلهةٌ إلاّ الله لفسدتا" (51)
والموقف الثاني بآيتين من سورة الإخلاص، وهما:
"قل هو الله أحد. الله الصمد"(52)
والموقف الثالث، بقطعة آية من سورة الإسراء، وهي:
"وإن من شيء إلاّ يسبّح بحمده"(53)
-الكلمة الثالثة والثلاثون، بدأت بآية من سورة فصلت، وهي:
"سَنُريهِمْ آيَاتِنَا فىِ الآفَاقِ وَفى أنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُ الْحَقُّ أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهيدٌ" (54)
تعالج هذه الكلمات الثلاثة والثلاثون بالتفصيل أهمية "بسم الله" و"الإيمان بالغيب  وبالآخرة"، و"أهمية الصلاة ومواقيتها" وعبادة الله تعالى، وتقواه، وعقيدة التوحيد، ومدى حاجة الإنسان إلى  التسبيح، والتحميد، والتهليل، وقدرة الله تعالى، وجبروته، وملكوته، وأهمية الحكمة، وحقيقة الدنيا التي هي لامحالة زائلة، وفانية، ودعوة التفكر في الكون، وبيان الإيمان، والعمل الصالح، والأسماء الحسنى لله تعالى، و"سيرة النبي –صلى الله عليه وسلم-" و"المعراج" و"الحشر" و"القدر" والاجتهاد"، والإعجاز القرآني، والتفكير في الآيات البينات في الآفاق والأنفس وغيرها من القضايا الإنسانية، والإسلامية، والعلمية.
التشابيه وتطبيقها في القرآن في الكلمة الأولى:
يتحدث النوسي  في الكلمة الأولى عن أهمية "بسم الله" في حياة الإنسان، ويأتي بتشابيه، واستعارات، وتمثيلات طالما يشاهدها الإنسان  في حياته، وذلك كله مستلهم من آيات مختلفة للقرآن الكريم، فيقول النورسي في هذه الكلمة:
"إن البدوي الذي يتنقل في الصحراء، ويسيح فيها، لابد له أن ينتمي إلى رئيس قبيلة، ويدخل تحت حمايته، كي ينجو من شر الأشقياء، وينجز أشغاله، ويتدارك حاجاته، وإلاّ فسيبقى وحده حائراً مضطرباً أمام كثرة من الأعداء، وكثرة من الحاجات التي لا حد لها".(55)
وردت في هذه الفقرة كلمات: ينتمي، ورئيس، وقبيلة، ويدخل، و تحت حمايته، وكي ينجو، فهذه الكلمات كلها تشير إلى الإيمان بخالق الكون، والاعتصام بحبله وهوالقرآن، والامتثال بما جاء به نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم-من دين وعقيدة، وأخلاق، وقيم، ومثل عليا، فالمعنى كله مستلهم من الآيات القرآنية الآتية وماعداها من الآيات الكثيرة:
قال تعالى:
1-              "واعتصموا بحبل الله".(56)
2-              "هوالله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى"(57).
3-              ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيئ، فاعبدوه "(58).
4-              الله خالق كل شيئ  وهو على كل شيئ وكيل"(59).
5-              ذلكم الله ربكم له الملك، لا إله إلاهو فأني تصرفون "(60).
فالقبيلة هي الدنيا، ورئيسها هو الخالق، ورب العالمين، والانتماء إلى الرئيس هو الإيمان بالله تعالى، وبرسوله محمد-صلى الله عليه وسلم-مع كل التفاصيل. فالإسلام فقط هو الصراط السوي الذي لا يمكن للإنسان أن ينجو من الشقاء، والذل، والهوان، في الدنيا، ومن العذاب الشديد في الآخرة إلا إذا سلك مسلكه، واهتدى بهدئه.
لو كان الإنسان يعيش في هذه الكوكبة الأرضية بدون قائد يقتدي به، وبدون هاد يهتدي به إلى سواء السبيل، وإلى الدرب المستقيم، لتاه في أودية الضلالات والسفاهات، والظلم والطغيان، فلا سبيل له إلى النجاة، وهذا القائد هو الدين السماوي الرباني الذي سماه الله تعالى بــــ"الإسلام"، إذ قال:
"إن الدين عند الله الإسلام"(61).
 وقال:
 "هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا"(62).  
وقد أكد النورسي في ضوءآيات من القرآن الكريم أن سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة معقودة، ومشروطة بالإيمان، والعمل الصالح، فقد قال عزشأنه:
"من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"(63).
والنورسي على غاية يقين، وتوكل على الله تعالى وقدرته، وجبروته، فإنه ينكر  إنكارا باتا المادية المطلقة، والفلسفة الوضعية، فيقول مخاطبا الماديين وعبدة الأسباب:
"إن ما تتباهون به من صلابة وحرارة أيضا لاتعملان بنفسهما بل تؤديان وظائفهما بأمر آمر واحد"(64).
كأن النورسي يشاهد بأم عينيه حقيقة الآية القرآنية، إذ أمر الله  تعالى النار الملتهبة على نبي الله إبراهيم-عليه السلام-، إذ قال:
"يانار كوني بردا وسلاما على إبراهيم"(65)     
الخلاصة:
ومن نافلة القول: إن رسائل النور عطر استخلص من القرآن الكريم، يتعطر به كل فرد من أفراد البشر، وكل لون من ألوان الناس، وأما الأسلوب الذي تتسم به هذه الرسائل فهو أسلوب يستطيع أن يفهمه كل الناس من مثقف وغير مثقف، من متعلم وغير متعلم، من بدوي وحضري، ويستمتع  بمعانيها، وبما حوته من رسالة، ودعوة، وهداية، ورشد، وخير، فهو ليس أسلوبا علميا غامضا، ولا أسلوبا أدبيا عاطفيا خلابا، ولا أسلوبا خطابيا مكررا، بل هو خليط من كل الأساليب، فهو كالسلسبيل الذي إذا شربه العاطش يرتوي ويرتاح، وهو كوجبة دواء إذا تناولها المريض يشفى بإذن الله تعالى، ويقر له قرار.


………………….

الحواشي:
1-              النورسي: إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، ط: 2، مصر، 2002، ص: 22.
2-              العلق: آيات: 1-5.
3-              العنكبوت: 20. 
4-              الغاشية:17-20.
5-              النورسي: سيرة ذاتية، ص:11.
6-              سيرة ذاتية:11.
7-              سيرة ذاتية: 25، والمكتوبات: المكتوب الثامن عشر.
8-              سيرة ذاتية: 88، الشعاعات: الشعاع الثامن، الرمز الثامن.
9-  الشاه ولي الله الدهلوي: الفوز الكبير، الترجمة الأردية للأستاذ رشيد أحمد أنصاري، مكتبة  برهان، دلهي، 1955م، ص:22-29.
10-          الأنعام: 151.
11-          مسلم: كتاب الإيمان، رقم الحديث:232.
12-          الإسراء: 9.
13-          النمل: 30.
14-          البقرة: 3.
15-          البقر: 21.
16-          النحل:128.
17-          التوبة: 111.
18-          البقرة:255.
19-          آل عمران: 19.
20-          الروم: 17-18.
21-          الروم: 50.
22-          الشمس:1ـ7.
23-          البقرة: 269.
24-          الاسراء: 82.
25-          يس:69.
26-          هود: 1.
27-          الملك: 5.
28-          يس: 82-83.
29-          الكهف:7ـ8.
30-          الأنعام:32.
31-          آل عمران:  188.
32-          البقرة:34.
33-          البقرة:67.
34-          البقرة:74.
35-          النساء: 103.
36-          ابراهيم: 25.
37-          الحشر:21.
38-          التين:4-6.
39-          طه:8.
40-          الإسراء:88.
41-          الحجر:21.
42-          يس:12.
43-          النساء: 83.
44-          البقرة: 25.
45-          القدر:4.
46-          الإسراء:85.
47-          الأحزاب: 72.
48-          سورة سبأ: 3.
49-          الإسراء:1.
50-          النجم: 4-18.
51-          الانبياء: 22.
52-          الإخلاص:1-2.
53-          الإسراء: 44.
54-          فصلت:53.
55-          الكلمات: الطبعة السادسة، 2011، مصر، ص:6. 
56-          آل عمران: 103.
57-          الحشر: 24.
58-          الأنعام: 102.
59-          الزمر: 62.
60-          الزمر: 6.
61-          آل عمران: 19.
62-          الحج: 78.
63-          النحل:97.
64-          النورسي: الكلمات، 2011، مصر، ص:8.
65-          الأنبياء: 69.


[1] - النورسي كان وقتذاك في وان بعيدا عن صخب الأسواق وزحمة الناس والعمران.

Comments

  1. awesome blog and informations. keep it up.

    ReplyDelete
  2. Harrah's Cherokee Casino & Hotel - MapYRO
    Search for Harrah's Cherokee Casino & Hotel in Cherokee, NC. 정읍 출장마사지 Harrah's 상주 출장마사지 Cherokee 정읍 출장샵 Casino Hotel is located in the 용인 출장안마 heart of the Great Smoky Mountains of Western 청주 출장샵 North

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى

النظريات الأدبية في الأدب العربي بين الأصالة والمعاصرة

جهود العلماء الهنود في المعجمية العربية