الأستاذ محمد ناظم الندوي شاعرا.
الأستاذ محمد ناظم الندوي شاعرا
من المعلوم لدى الأوساط المثقفة أن دارالـــعلوم ندوة العلماء لكناؤ بالهند تمتاز فيما بين أخواتها في إنجاب الرجالات في الدراسات الإسلامية والأدبية واللغوية والتاريخية معا، وأستاذ نا محمد ناظم الندوي حلقة من هذه السلسلة الذهبية ، ساهم في عدة المجالات من اللغة والأدب والشعر والترجمة والتدريس والتأليف والصحافة . وفي السطورالتالية أتحدّث إليكم عن بعض ما خلف للجيل الناشئ من مآثر في المجال الشعري ، بالإضافة إلى تحديد أغراضه الشعرية ، ومع معالجة شعره من حيث المعنى والمضمون . وأقدّم لكم نبذة عن حياته لكي يتضح بعض الخطوط الأساسية والعناصر الرئيسة لتكوين مثل هذه الشخصيات.
نبذة عن حياته:
أسفر صبح حياة هذاالأديب الأريب الأستاذ محمد ناظم الندوي في ديسمبر ١٩١٣م، المصادف ١٣٣٣هـ بقصبة على نكر، في ولاية بيهار. درس الابتدائية في بيته ، ثم التحق"بالمدرسة العزيزية" في بتنا حيث أتم الدراسات العالية في العلوم الشرعية واللغة العربية وآدابها، وفي عام ١٩٢٨م أصبح طالب مرحلة الاختصاص في ندوة العلماء لكناؤ، وكان في الطليعة الأدبية التي أكملت دراستها تحت مظلة الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي المراكشي بندوة العلماء، وكان صديقا ودودا وزميلا مخلصا للشيخ أبي الحسن الندوي، والأستاذ مسعود عالم الندوي.(١)
عمل مدرسا في الجامعة الإسلامية بدابهيل بإقليم كجرات خلال الفترة مابين(١٩٣٤ ١٩٣٨م) ثم رجع إلى دارالعلوم ندوة العلماء بدعوة أستاذه العلامة السيد سليمان الندوي حيث ظل أستاذا حتى عام ١٩٤٨م للأدب والبلاغة وعلوم القرآن، فقام بتدريس مهمات الكتب أمثال: "مقدمة ابن خلدون" لابن خلدون، و"حجة الله البالغة" للشاه ولي الله الدهلوي، و "أسرار البلاغة" و"دلائل الإعجاز" لعبدالقاهرالجرجاني. (٢) وخلال ذلك تولى عمادتها في غيبوبة عميدها الشيخ محمدعمران خان الندوي الأزهري وذلك خلال الفترة ما بين١٩٤٢-١٩٤٨م. (٣). تولى رئاسة الجامعة العباسية ، في بهاولفور (باكستان) وتخلل تلك الأيام زمن قام فيه بتدريس الأدب العربي في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعام١٩٦٣م، ثم رجع إلى كراتشي واستقر بها، وأصبح نائب رئيس "مجمع البحوث الإسلامي" بكراتشي ، منذ ماتأسس إلى آخرأيام حياته .
أساتذته :
ومن أساتذته البارزين السيدسليمان الندوي ، والدكتور تقي الدين الهلالي المراكشي، والشيخ حيدر حسن خان التونكي وما إلى ذلك.
مجاله الاختصاصي:
كان له نبوغ في الأدب العربي وخاصة في المفردات العربية ، والصرف، والنحو، يقول الشيخ أبو الحسن الندوي:
"كان يمتاز برسوخه في قواعد اللغة العربية وإتقانه للصرف والنحو وعلوم البلاغة وتضلعه من اللغة العربية ومفرداتها وتعبيراتها وحفظه للشعر الجاهلي والإسلامي"(٤)
ويقول الدكتور عبدالله عباس الندوي:
"مارأيناله نظيرافي الإتقان للمفردات العربية طول الهند، ماعداالعلامة عبدالعزيز الميمني، وكان يحفظ ألوفا من الشعر العربي"(٥)
وقدأشادالدكتورعبدالله عباس الندوي بأسلوب تدريسه قائلا:
"كان الأستاذمحمدناظم الندوي يدرّسنا المعلقة بكل تذوق ورغبة ، وكان يحفظ المعلقة تمامها ، يشرح كل حرف من الحروف ، ويحلل التراكيب النحوية ، ثم يفهمناها"(٦).
وأضاف قائلا:
"كان يفصح ويعرب في قراء ته ، فكان يوضح كل إعراب وحركة".( ٧)
ومع هذه الخصائص البارزة كان من مصاقع الخطباء في اللغة العربية يقول السيد علي كاظم (مدير التأليف والترجمة):
"هو الأديب الضليع والكاتب القدير باللغة العربية ، كما يقدر على إلقاء الخطب والمحاضرات عفو بديهة بلغة القرآن". (٨)
مؤلفاته:
١الرسالة المحمدية، (الترجمة العربية لكتاب"خطبات مدراس" للعلامة السيد سليمان الندوي.
٢النظام الاقتصادي للإسلام ، (الترجمة العربية لكتاب"اسلام كا اقتصادي نظام ") للعلامة أبي الأعلى المودودي.
٣باقة الأزهار(ديوان شعر).
٤القصيدة الرائية.
٥قصيدة عربية قرضها إثر عودته من إستنبول عام ١٩٩٣م.
٦حاضرمسلمي الهند وغابرهم للأستاذ مسعودعالم الندوي. (والبابان الأخيران من الكتاب بقلم الأستاذ محمد ناظم الندوي).
٧عورت مرد کے برابركيوں نہیں. (لماذا لا تحاذي النساء الرجال).
٨مجموعة مقالاته الأردية التي طبعت في مجلات علمية. (وهذه المجموعة في مرحلة الإعداد للطباعة).
٩وعداهذه الكتب والترجمات قد صدرت من قلمه النابغ مقالات علمية أدبية قيمة قد تجملت بهاصفحات مجلة"الضياء"العربية التي كانت تصدر في ندوة العلماء خلال ثلاثينات القرن العشرين.(٩)
وفاته:
في صباح يوم الجمعة عند الساعة السابعة والنصف ٩يونيو٢٠٠٠م، ⁄ ٥ربيع الأول ١٤٢١هـ وافته المنية ولبّى دعوة ربه ، ودفن في مقبرة مادال كالوني بجوار مطاركراتشي في باكستان. (١٠)
شعره:
شعره يتوافر في أنواع منوعة من الأغراض والمضامين ، في الحمد ، والوصف ، والرثاء ، والمدح ، والترحيب وما إلى ذلك ، وفي التالي أقوم بعرض شعره عرضا تحليليا حسب الأغراض والمضامين .
في الحمد:
سافرالأستاذ محمد ناظم الندوي إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج عام ١٩٥٦م ، وبعد أداء المناسك ناجى ربه وتضرع إليه سائلا عفوه ، وتكريمه بقبوله لما قام به من حج ، وطواف ، وجري بين الصفا والمروة ، ووقوف في العرفة وما إلى ذلك ، وقد أتت هذه المنا جاة في قالب منظوم حول العنوان : "نفحة من نفحات الحرم المكي" فأنشد قائلا:
بسطت يـــدي راجيا مـنك غفرانا
وجنة فــردوس لد يـك ورضـوانا
وتبت إليــك مــــن جميع مآ ثـمي
فرحماك رحماك وعـفوا وتـحنا نا
حداني الحنين سائقا نحو بيتك العتيق
الـــذي قــد شّيد صــد قا وإيمانا
فــطفت بـــه شوطا وشوطا وثالـثا
وأربــعة أشــواط وقــد تم حسبا نـا
ذكرتــك خــاليا ففــاضــت مدامـعي
ولـذ ت دمــوع العين تسكب تهنا نا
وعــهدي بعيني لا تجـــــود لعبرة
فـــأنى لهـــــا نبـع تبجس فيضانا
لــعل دمــــو ع الـعـين تغسل حو بتي
فـــتقبل تـو بتـي وتنقـــي أدرانا
كأن قـــلو ب المــؤ منين وقد هوت
إلـــى البيت طير أمت الماء حومانا
وهذه الأبيات تضرع بها الشاعر إلى الله تعالى الذي هو العفوّالكريم والرب الرؤوف الغفور، فقد يبدو فيها التواضع والخشوع والإنابة والابتهال ، ومن العنصر اللازم لكل من يدعو ربه أن يخضع نفسه أمام جلاله وكبريائه إخضاعا كاملا ويخشع له خشوعا دائما ، ثم لابد أن يوجد فيه الرجاء مع الخوف والإنابة مع التضرع ، وهذه العناصركلها تتوافرفي هذه الأبيات ، فتأمل في مطلع الشعر حيث يناجي الشاعر ربه مبتهلا ومبديا افتقاره إليه :
بسطت يدي راجيا منك غفرانا
وجنة فردوس لديك ورضوانا
ويردف قائلا:
وتبت إليك من جميع مآثمي
فرحماك رحماك وعفوا وتحنانا
ثم يقول:
وعــهدي بعينـي لا تــجود لعبرة
فأنى لها تبع تبجس فيضانا
لعل دمو ع العين تغسل حو بتي
فتقبل تــو بتي وتنقي أدرانا (١١)
والشعر رغم أنه شعرالحمد والإنابة والدعاء والمناجا ة لاتخلو من الجمال الشعري ، ففيه التنغم والموسيقى ، وفيه روعة الأدب ورشاقة الألفاظ ودقة المعاني مع ما فيه من الالتزام بالقوافي .
في الوصف:
ومن أجمل ما قرضه الأستاذ محمد نا ظم الندوي من الشعر هو في الوصف . وفي خضم شعره في الوصف تتواجد أبيات في وصف التاج محل ، وفي وصف رجل القرن العشرين ، وفي وصف النفس ، وفي وصف القلم ، وفي وصف الحج وأيام منى.
وصف الحج:
وقدأبدى الشيخ أبوالحسن الندوي إعجابه بما وصف به الشاعر"الحج وأيام منى"فقال:
" وقرأت قصيدة في وصف الحج وأيام منى ، فأعجبت بقدرته على التعبيرعن المشاعر والأحاسيس الدينية والوجدانية ، ومطاوعة اللفظ العربي لها يقول في هذه القصيدة:
إذا مـا ظــلام اللــيل يأتي بطــيفها
يــدغــدغ قلــبي ناعـم اللمــسات
هي الحزن والسلوان والداء والشفاء
وتو حـي إلى الشعر كالــزهـرات
هي الروح والريحان والهم والأسى
ومنـها يفـيض الشعر كالقبــسات
وأضاف قائلا :
"وقد ظهرت قدرته على القوافي في قصيد ته التائية في وصف روضة (روضة النبي صلى الله عليه وسلم) يقول في آخرها:
لعل نجوم الفلك لم ترض إن ترى
مثيلا لها بالأرض في لمعات
فأوحت إلى أخت لها في سماءها
لترسل عليها الضوء باللفحات
فكان كما شاء ت وزال بهاءها
وجف بها ما كان من قطرات "( ١٢)
وصف التاج محل:
وقد قرض ٣٢بيتا في وصف التاج محل الذي يعدّ من عجائب الأرض ، ويضرب به المثل في الفن المعماري ، وإليكم بعض الأبيات من شعره في وصف هذاالقصر المشيد من الرخام الأبيض ، ما بناه الإمبراطورالمغولي تذكارا لحليلته وحبيبته ممتازمحل ، وذلك على شاطئ نهرجمنا في مدينة آكرا بالهند ، وقد يتجلى فيه نبوغ الشاعر في دقة الوصف للمشاهد والمناظر، فها هوذاالشاعر يغني لكم بمجد التاج محل :
لله درّ مـــا بنـــاه شاهـــجهــان
هو بسمة تعلو على ثغر الزمان
أوزهرة بيضاء تزهوفي الجنان
أودرّة تلمع فــي جــيد الحــسا ن
أو دميــة مــن مـرمـر لــممثل
متـأنــق فـي صنعـــه ومـفصــل
صـــنع يـــكاد فنــــــــه يتــكلم
ببـــــراعــة فـي نــحتـه أو يبسم
وكأنـــه فــــص جـــميل أروع
فــي خــاتم الأرض يروق ويلمع
وإذانــظرت إليـــه أول نــظرة
أكبرته وقلت: أجــــــمل درّة
وتقول:صيغ من الضياءرخامه
أو فضة بيضاء قام قـــــــــوامه
وما أجمل ما عبّرالشاعرعن سرجمال التاج محل ! وما أدقه ! حيث قال في الأبيات التالية:
كأن مــن فيــه كسته جمـالها
وتبــرعــت له ببعض جلالها
حسناء لارتاح الحبيب بعقلها
وبحسنها وولاءها وبـفضلها
روعاء قدهام المليك بفضلها
وبــخلقها وبـــرأيــها وبنبلها
غــرّاء قــد ملكت فؤاد حليلها
بذكاءها و وفاءها وجمالها
فالشاعر يرى في هذه الأبيات أن ما يتبلورفي القصرمن جمال وتأ نق وروعة وبهاء إنما
هو كله مشرأبّ ومقتبس من جمال من فيه من حليلة جميلة وزوجة كريمة للمليك وهي "ممتازمحل" فلولاكانت هذه الحليلة الحسناء لكان هذاالقصريفقد جماله ويحرم ماله من رونق ولمعان ، ولولاكانت هذه الحسناء لما كان له هذا الشأن الذي وصفه الشاعرفي الأبيات الآتية:
رواد آيـــا ت الجــــمال تــراهم
يغشونه شوقا لــري ظماهم
وترى هواة الفن في عـرصاته
يصورون القصر من جنباته
أعظم بـصاحـب خطة ومـصمم
ومـهند س ذي خبرة وراسم
بقي على عرك الخطوب مباهيا
حسن البناء فخامة متـحد يا
متماسكا على الزعازع صا مدا
منـاغيا زهـر الكواكب راصدا
ثم يغني الشاعربمجد الملوك المسلمين وترفه بالهم وهناء عيشهم وتقدم حضارتهم فينشد:
والقصـــر تـذكارالمـحبة والـوفاء
ليمثل عـــهد الحضارة وارتقاء
ويــــذكــر عـهدالتقدم في البناء
عــهد التأنق في المعيشة والرخاء
عــهد المـلـــوك مـن سلالة بابر
قد خلــّدوا أسماءهم بـــمآثر
بيض الوجوه مسابقون إلى العلا
عـدلا ونلا وسخـاء ونـدى(١٣)
وصف القلم:
ومن أجمل شعره في الوصف ما وصف به "القلم" ، فإن أستاذه العلامة السيد سليمان الندوي أهدى إليه قلما من حيدرآباد (الهند) ، فجادت قريحته بأبيات هي خيرهدية إلى المهدي المحترم ، وخيروصف بالقلم ، وهي من أبيات رائعة ، دقيقة المعانى ، سهلة المنطق، خيّرة الألفاظ ، يبلغ الشعر من جمال التنغم والموسيقى مبلغه ، مع ما يتجلى فيه قدرة الشاعرعلى الوصف الدقيق والقوافي المتينة ، فقد اقتبس الشيخ أبوالحسن الندوي ١٧بيتا من هذه القصيدة في كتابه القراءة الراشدة ، للأطفال (الجزء الثالث) ، وهي عنده من أحسن ما قيل في القلم حصوصا الأبيات الأخيرة منها :
ومطلعها:
أهــــدى إلـي سيــــدي
قـــلما رشيقـــا مــــن دكن
أغلـــى مــن اللؤلو وأر
شقــا مـــن القـــدّ الـــحسن
هـــوخـــيرمـايهدى إلى
مـــن يبتغــي الــذكـرالحسن
يــا حبـــذا تــــلك العلى
مــــن مــاجـــد حــبر الزمن
كـــم خـــامل نـــالوا بـه
ذكــرا رفيعــا فـــي الوطــن
كـــم معــــدم حــازوابه
مــالا عظيمــا فـــي المـحن
الأبيات الأخيرة هي:
تفـــري الأمــور بحــده
ولمجــــده يعنــــوالــــزمــن
سيف صقيل في الوغى
مــــوت ذريــــع بـــالـــرسن
يـــرمـــي البغاة بسهمه
وبطــــرفــــه تخــــبو الفتن
يسقــــي العــباد بريـقه
ودمـــائـــه يحـــي الســـنن
كــــم عاجـــزيقــوى به
بعــــدالتــــذلل والــوهــــن
كــــم صاغــــر يلقى بـه
عــــزا عزيــــزا والمـــــنن
كــــــم مفحــــم ألقى بـه
خطبـــات سحـــبان اللسـن
يسقـــي الجـــديب بنبعه
فــإذا به روض أغـــــن (١٤)
في الرثاء:
وله في الرثاء بعض القصائد وهي :
في رثاء الملك فيصل الشهيد ، والرثاء للأستاذ محمدالحسني ، ورثاء العلامة أبي الأعلى المودودي.
ومن شعره في رثاء فقيد الإسلام والعرب الملك فيصل الشهيد قصيدة قرضها إثرما استشهد هذاالبطل العبقري الذي له إسهامات في إثراء التراث الإسلامي ، ولخدمة الدين، ونشرالثقافات الإسلامية ، وقدنشرت هذه القصيدة في جريدة أخباررابطة العالم الإسلامي ، بمكة المكرمة ، وفي بعض الجرائد في باكستان وفي الهند . وهي الآن متوافرة في مجموعة شعره "باقة الأزهار" حول العنوان: "رثاء فقيدالإسلام والعرب الملك فيصل الشهيد" وفيها ٢٩بيتا تحت قافية واحدة وهي القافية الرائية ، وقد تلوح فيها الحمية الدينية والغيرة الإيمانية والعاطفة الإسلامية وإليكم بعض ما قرضه الشاعر في رثاء الملك فيصل:
الجـــومــغبرّالجـــــوانب أحـــمر
والنجـــم مكتئـــب ضئيــل أكــــدر
بـكت القلوب مع العيون تفجعا
للفيصل المـرحـوم ساعة أخبروا
وأضاف قائلا:
ومحــبب ساد القـــــلوب ولاءه
ومـــدبر ساس الرعيــــة أكبر
ولـه من الأيــدي سحاب هاطل
عمت فواضلـــه شعوبا تشكر
وله من العقل الحصيف الأوفر
وله من الرأي النصيب الأكبر
ماض إذامـا حــلّ خــطب فادح
يـأتي من التــدبيرماهو أجدر
لا ينثني بعــد العزيمـة إذ درى
ماقــد يـكيد لـه العـدو الأحـمر
وسعيت للإسلام سعي مؤلف
يبغي وئامـا للـــذين تـــدابروا
وجمعت شمل المسلمين بحكمة
عاد الوداد بها يسود ويظهر
وإذا دعاك أخوك فيما نا بـــــه
لبيت دعوتـــــه حثيثا تنصر(١٥)
ومن أبلغ شعره في الرثاء ما رثى به الأستاذ محمدالحسني الندوي حول العنوان :" الرثاء للعزيز محمدالحسني" وتشمل هذه القصيدة ١٩بيتا في قافية واحدة وها هي بعض الأبيات:
قــــلم مـن الإسلام فلت ريشتــه
إذغـا ب صاحبه ووارت تـربته
قصفته أيدي الموت غصنا ناضرا
لم تبل من ثـوب الشباب جـدته
ذرفت عيوني إذ فجعـت بنعيـه
خطب لقد أدمت فــؤادي صدمته
ثم يقول وهويشيد بقدرة قلمه النابغ السلسال الذي حقا كان سيفا صارما في الرد على الأباطيل والذود عن حظيرة الإسلام والمسلمين، فقد شهد التاريخ أنها قد تزلزلت قصور الظلم والهمجية في الديارالمصرية ، وكانت افتتاحياته في مجلة" البعث الإسلامي" دواء للجروح والكلوم التي تصيب الإخوانيين من قبل أعدائهم ، فقد حاول الشاعر أن ينظم في شعره ما كان في قلمه من حمية دينية وغيرة إسلامية ، وقد انعكست هذه الغيرة في الأبيات التالية:
قـــــلم أحـــاله حسامــا صارمــــا
كانت ذ يادا عن الـد ين ضربته
غا ض المداد حين فاض دموعنا
إذ نيــل مـقبضـه وفلت شـفرتـه
حصن بنوه للــدفاع عن الحمى
ومحمــد الحسنــي كان صخرته(١٦)
والآن نرى أستاذنا يرحب في شعره بجلالة الملك خالد بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية بمناسبة زيارته باكستان عام١٩٧٦م ، وقد نشرت هذه القصيدة في بعض الجرائد بكراتشي ، ثم أتت في خضم مجموعة شعره " باقة الأزهار" ، والقصيدة مع سهولة اللفظ تجري على قافية واحدة فقد قال الشاعر :
والجـــو ملتمع بأبــهى منــظر
والشمس مرسلة شعاعا مذهبا
والطيرتشدوا في الخمائل باكرا
فـــرحـــانـة سكــرانــة لترحـبا
الدار دارك والقـــلوب منـا زل
فانــزل بـها أنــى أردت مـحببا
حــزت قلوب المسلمين مـــودّة
فــاصرف بها حيث تشاء مقرّبا(١٧)
هذه كانت دراسة تعريفية لحياة الأستاذ محمد ناظم الندوي الشعرية ، فإنه ساهم في عدة المجالات العلمية من الأدب ، واللغة ، والترجمة . وكان صيته كأديب ، ولغوي ، و كاتب خاصة ، فكان من الطليعة العلمية التي كانت مقالاتها القيمة تجمل صفحات مجلة " الضياء " العربية الصادرة في ندوة العلماء لكناؤ ، وكانت هي من أشهر المجلات العربية ، تصدر في الهند وتحظى القبول والرواج في الأوساط العلمية والأدبية حتى في البلدان العربية أيضا .
وأما شاعريته فلم تبرز للمرة الأولى إلا بقصيدة قرضها هدية إلى أستاذه العلامة السيد سليمان الندوي إثر ما أهدى إليه قلما مكتوبا عليه اسم المهدى إليه مع تاريخ صنعه. يقول الشيخ أبوالحسن الندوي :
"وقد اطلعت على سبيل المصادفة على قطع شعرية للأستاذ محمد نا ظم الندوي ، أخذت منها قصيدة قالها في القلم ، .... ولعل كثيرا من أصدقائه لم يعرفوا أنه شاعر غلا بهذ القصيدة " (١٨)
يقول الأستاذ على كاظم عن شاعريته :
" كان من الشعراء المقلين ، لايقول الشعر إلا نادرا ، حين تهيج عواطفه ، أو حين يخبر بنبأ بطولة فذّة يقوم بها المجاهدون من العرب أو غيرهم ، أو حين تصيب الأمة الإسلامية فاجعة من فواجع الدهر."(١٩)
نعم ! أيا كان غرضه من الشعر فقد جاء كلامه في أحسن ديباجة وأجمل ثوب ، لايردد القارئ شعره إلا وقد تتلألأ له حصافة فكرالشاعر، وسمو معاني شعره ، مع دقّة الوصف والتصوير ، ومتعة الأدب ، ورشاقة اللفظ ، وأناقة التعبير .
وقد تناولت بالعرض من شعره أبياتا غير كثيرة ، وتتوافر في خضم شعره قصائد في أغراض ومعان مختلفة ، فقد صوّر في شعره أخلاق اليهود تصويرا دقيقا ، بيّن فيه شعارهم ودثارهم ودسائسهم ومكائدهم وطبيعتهم في ضوء الحقائق التاريخية . ثم نراه يقرض الشعر في وصف واقعية رجل القرن العشرين في غضون ٣٥بيتا، وقد عبّرفي هذه الأبيات عن نشاط هذاالرجل في مجال العلم ، وفي مجال كسب الثراء والصيت. وقد يبدوا جليا قدرته على الاستعراض التاريخي في قصيدته التي قرضها بمناسبة " ميثاق السلام " بين حكومة مصر وبين الحكومة الإسرائيلية تحت إشراف الرئيس الأمريكي كارطر، وقد جاشت على أثره قريحته بقصيدة فيها ٤٦بيتا في قافية واحدة وإليكم المطلع وبعض الأبيات:
كيف وثقت بأمــــة خـــــوان
وصفت بنقض العهـــد في القرآن
نشأت على الشقاق والعصيان
وبغت على شريعــــة الر حمـــــن
عـــرفـــوا بقتل الأنبياء ضلالة
وذاك ديـــــد نهم مــدى الأزمــا ن
نسفوا الــــد يار بأهلها معمورة
ظلما وعــــدوانا علــــــــى السكان
قتــــلوا الأيامى واليتامى والذين
بــــقوا مــــن الشبان فــــي لبنــان
ثم يقول :
ترجو وفاء العهد منهم عجبا
تبغي برود الثلج في النيـــران
وأهمــك البئــــر لنفط مــــائع
وتركت أرض القدس للعـدوان
وفزعت من حرب اليهودجبانة
لا بـــــدّ مــــن ذلّ لـــكل جبان
أبـــرمت ميثاق السلام بـــذ لّة
هذا لعمـــري صفقة الخسران(٢٠)
وتوجد في شعره قصائد في وصف الحضارة الغربية وما لها من أثر هدّام على الشباب في العصر الحاضر، وقصيدة في القضية الفلسطينية ، كما هناك بعض الذكريات والترحيبات التي نظمها في شعره في مناسبات مختلفة وهي الآن وتوافرة في ديوان شعره "باقة الأزهار" وعدا هذاالديوان له قصيدتان : إحداهما " القصية الرائية" وأخراهما : قصيدة قرضها إثر قفوله من إستنبول عام١٩٩٣م.
٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭
الهوامش:
١-محمدراشد شيخ:"ندوه كاايك درخشان ستاره، مولانامحمدناظم ندوي " (الأستاذ محمد ناظم الندوي نجم متألق لندوة العلماء) مجلة "بانك حراء" الأردية، لكناؤ (يوليو ٢٠٠٥م) ص:٢٦.
٢-شمش تبريزخان: تاريخ ندوة العلماء، لكناؤ(الطبعة الثانية، ٢٠٠٣م) ج:۲ ص:٤٤٤.
٣-أبوالحسن الندوي:مقدمة كتاب "باقة الأزهار" لمحمدناظم الندوي، (كراتشي، باكستان،١٩٧٩ م) ص:۱-۲.
٤- محمدناظم الندوي: باقة الأزهار.(كراتشي، باكستان،١٩٧٩م) الصفحات التمهيدية.
٥- عبدالله عباس الندوي:"سفرنامه حيات"،بتنا(الطبعة الأولي٢٠٠٥م) ص:٦٤.
٦- المصدر السابق، ص:٥١
٧- المصدر السابق، ص:٧٩
٨- كلمة تمهيدية في باقة الأزهار.
٩- محمدراشدشيخ: "ندوه كاايك درخشان ستاره،مولانامحمدناظم ندوي" (الأستاذ محمدناظم الندوي نجم متألق لندوة العلماء) مجلة "بانك حراء" الأردية (يوليو ٢٠٠٥م) لكناؤ، ص:٣٠.
١٠-المصدر السابق ، ص: ٢٧.
١١- محمد نا ظم الندوي : باقة الأزهار باكستان ، ص: ٧.
١٢־ المصدر السابق ، ص: ٤.
١٣־ المصدر السابق ، ص:٢٤.
١٤־ أبوالحسن الندوي : القراءة الراشدة لكناؤ ٢٠٠٢م ، ص:٧٦
١٥־ محمد نا ظم الندوي : باقة الأزهار باكستان ، ص:٩.
١٦־ المصدر السابق ، ص:٢٣.
١٧־ المصدر السابق ، ص:١١.
١٨־ المصدر السابق ، ص:٣.
١٩־ المصدر السابق : كلمة تمهيدية.
٢٠־ المصدر السابق ، ص:١٨.
very good Article dealing with the biography of a great Indian Arabic poet
ReplyDeleteالحمد لله.
ReplyDeleteMataleb husen very good biography of a great i dian arabic poet and alime deen
ReplyDelete