الدكتور عبدالله عباس الندوي وأعماله العلمية

الدكتور عبدالله عباس الندوي وأعماله العلمية

قمرشعبان الندوي

الحمد لله رب العلمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبدالله الأمين، وعلى آله وصحبه وذرياته وأهل بيته، ومن تبعهم بإحسان ودعا بدعوتهم إلى يوم الدين، أمابعد.

فها هوذا بين أيديكم كتاب متواضع عن حياة وأعمال أحد عباقرة الهند، يمكن القول بدون ارتياب أن المؤلف ما قام فيه إلا بعمل لوتتأملونه يسير، بالنسبة إلى عبقري لوتعرفونه عظيم، عظيم في النشأة والتربية إذ نجزت تربيته في أسرة بلغت من العلم والمعرفة والتقوى والديانة والذوق الأدبي والشعري غايتها، وهي الأسرة المجيبية.

وعظيم في الدراسة إذ تيسر له الانخراط في سلك التتلمذ على غرارالأدباء والعلماء والمفكرين، وطلائع أهل التقوى والدين، ألا وهم: الشيخ أبوالحسن على الحسني الندوي، والأديب الشاعرالكاتب الأستاذ محمد ناظم الندوي، والشيخ عبدالسلام القدوائي الندوي، وبحرالعلوم في عصره الشيخ شاه حليم عطا السلوني، والأستاذ الشيخ رشيد الهيثمي المصري وما إلى ذلك. وعظيم في الدراسة العصرية أيضا إذ أحرز شهادة "الدكتوراة" في جامعة ليدز (إنكلترا) في فلسفة "علم اللغة".

وعظيم في التدريس، إذ قام بتدريس الموادّاللغوية، والأدبية، والقرآنية، والفقهية، والحديثية، في دارالعلوم ندوة العلماء لكناؤ مدة ١١عاما، حتى عام١٣٧٤هـ/١٩٥٥م، ثم في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وجامعة أم القرى مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية، خلال الفترة مابين(١٣٩٦هـ/١٩٧٦م-١٤٠٦هـ/١٩٨٥م) وظل قائما بإلقاء محاضرات علمية، وأدبية، وبلاغية، وقرآنية في الجامعات والمعاهد والمراكزالتعليمية على نطاق العالم كأستاذ زائر.

وعظيم في نشاطاته الإسلامية والدعوية أيضا، إذ قام بالجولات الدعوية في القرى والأرياف والمدن المختلفة في الهند وخارجها، ثم طوّف البلاد المختلفة من شرق الأرض إلى غربها من قبل رابطة العالم الإسلامي مكة المكرّمة أيام كان مديرا للمنظمات فيها خلال (١٣٨١هـ/ ١٩٦٢م-١٣٩٦هـ/١٩٧٦م) كان من مسئولياته إشراف المراكز، والمساجد، والكتاتيب الإسلامية التي كانت تديرها الرابطة على نطاق العالم.

وعظيم في صحبة الأخيار والمصاحبة معهم، فطالما حصلت له مجالسة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن باز(رحمه الله) مفتي المملكة العربية السعودية سابقا، والشيخ محمد صالح القزّاز، أمين عام رابطة العالم الإسلامي سابقا، والشيخ محمد نصيف آفندي من كبارالعلماء والشيوخ والأثرياء في جدة، والشيخ الدكتور عبدالله عمر نصيف نائب رئيس جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية، وأمين عام رابطة العالم الإسلامي سابقا، والشيخ سيد محسن أحمد باروم، والشيخ محمد سرورالصبان أول من انتخب أمين عام رابطة العالم الإسلامي، وأئمة الحرم المكي الشريف إذ كان بيته على مقربة من الكعبة المقدسة، مع صلته القوية الوطيدة بسماحة الشيخ أبي الحسن الندوي التي ظلت مرتبطة طول حياته فكرا وعلما وعملا وسلوكا.

وعظيم عندما جاءته دعوة ربه، إذ لبّى دعوته وهويتلفظ بقول:"لا إله إلا الله محمدرسول الله"-صلى الله عليه وسلم- وصلى على جنازته الحجاج والمعتمرون في الحرم المكي الشريف الذين بلغ تعدادهم ما يجاوز المليون، ثم دفن في جواره في جنة المعلّى.

فهذه سعادات بعضها فوق بعض، إذ شاءها كل من هبّ ودبّ لم يكد يظفر بها:

اين سعادت بزور بازونيست تانه بخشد خداۓ بخشنده

(لاترام هذه السعادة بقوة العضد، إنما هي نعمة يسبغها الله تعالى على من يشاء).

*****

عاش الدكتور عبدالله عباس الندوي أكثر من ثمانين عاما، قام فيها بخدمات من التدريس، والتأليف، والترجمة، في مجالات متنوعة من علوم القرآن، واللغة، والأدب، والسيرة، والفقه، والحديث، والمنطق، والتحليل، والنقد، والصحافة.

ألف كتبا عن الدراسات القرآنية، فهذان كتابان في الأردية:"قرآن كريم تاريخ انسانيت كا سب سے بڑامعجزه" (القرآن الكريم أكبر المعجزات في التاريخ البشري)، و"مكررات قرآن" (التكرار في القرآن الكريم). والمؤلف لم يأت بمثل هذه الأعمال الجليلة للناطقين بالأردية فحسب، إنما هناك مؤلفات تفي إلى حد كبير بحاجة المثقّفين باللغة الإنكليزية، واللغة العربية، فهذان كتابان (عربي-إنكليزي): Learn the Language of the Holy Quran (تعلّم لغة القرآن الكريم)، وVocabulary of the Holy Quran (قاموس ألفاظ القرآن الكريم)، أولهما يهتم بتدريس العربية عن طريق الكلمات والجمل والتعابير القرآنية، مع قواعدها من الإملاء العربي، والصرف، والنحو. وآخرهما يوفرلهم المعاني والمفاهيم المتعددة لمفردات القرآن الكريم مع الإشارة إلى تصاريفها، وبناءها، بالإضافة إلى الاستدلال بالآيات القرآنية. وهذان كتابان عربيان: "ترجمات معاني القرآن الكريم وتطور فهمه عندالغرب" و"مذاهب المنحرفين في التفسير"، قام فيهما المؤلف بالتحليل النقدي لترجمات معاني القرن الكريم وتفاسيره الإنكليزية، قام بها المستشرقون، واليهود، والقاديانيون، والعلماء المسلمون، فقد حذّر المؤلف الناس عن طريق هذين الكتابين عن المعتقدات الفاسدة، والتقويضات الباطلة حاول ترويجها المستشرقون، واليهود، والقاديانيون عن طريق ترجماتهم وتفاسيرهم، بينما أسهب الكلام في ذكر مميزات ترجمات وتفاسيرالقرآن الكريم قام بها العلماء المسلمون بالإضافة إلى انتقادات مناسبة تمس الحاجة إليها. وقام بشرح كتاب عربي في علوم القرآن وأسماه:"شرح كتاب النكت في إعجازالقرآن للرماني".

ومن فضله أنه أفاد من له الذوق الأدبي والشعري، ولايعرف العربية بمعلومات عن الكنزالدفين من الشعرالعربي وخاصة في المديح النبوي، فكتاباه"عربي ميں نعتيه كلام" (المديح النبوي في العربية) و"رداۓ رحمت"(رداء الرحمة) خيرشاهد على ذلك، أولهما يتناول الشعر العربي في مديح النبي صلى الله عليه وسلم من عصرصدرالإسلام إلى العصرالحديث، وآخرهما خصه المؤلف لدراسة قصيدتين مشهورتين في تاريخ الأدب العربي باسم "البردة" لكعب بن زهير رضي الله عنه، وللإمام شرف الدين البوصيري، وكل منهما يهتم بنقل الشعرالعربي إلى الأردية الفصحى، مع تحليله اللغوي، والفني، والبلاغي، والنقدي أيضا.

وإن ثمة كتبا أخرى تتناول الجوانب المتعددة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا كتابه:"تاريخ تدوين سيرت" جاء فيه التعريف المشبع بكتب السيرة، ومواضيعها المختلفة التي يدورحولها فن السيرة، وهذا كتابه: "آفتاب نبوت كى چند كرنيں" (أشعة من شمس النبوة) في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه، وسلوكياته، وهذا "آداب وفضائل درود وسلام" (آداب وفضائل الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم)، جاءت فيه أحاديث نبوية شريفة عن آداب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، و"پيغمبر أخلاق وانسانيت"(رسول الأخلاق والإنسانية) مجموعة الخطب التي ألقاها الدكتور في حيدرآباد، بالهند على دعوة الأستاذ رضوان القاسمي ونبع من ريشة قلمه كتاب قبيل وفاته في سيرة الصحابة رضي الله عنهم جميعا، وهو:"سيرت صحابه کے چند نقوش" (روائع من سيرة الصحابة) تناول فيه سيَر١١ من الصحابة البررة الذين لهم إسهامات في المجالات العلمية، والأدبية، والفقهية، والقرآنية، وفي رواية الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مناسبات الغزوات.

كان اختصاص الدكتور في علم اللغة إذ أحرز شهادة "الدكتوراة" فيه من جامعة ليدزعن الموضوع:

“A Study of Arabic Dialects of the Bilad Ghamid and Zahran, Region of Saudi Arabia on the Basis of Original Field Recording and An Examination of the Relationship to the Neighboring Regions’

(دراسة اللهجات العربية لبلاد غامد والزهران، من مناطق السعودية العربية على أساس الأعمال الميدانية التسجيلية، وتحليل علاقيتها مع المناطق المجاورة")

ثم نبع منه من كتب علمية في ذلك، من أهمها:"نظام اللغة الأردية"، فيه موجز تاريخ اللغة الأردية، والدراسة التطبيقية بين اللغتين العربية، والأردية، ألفه لتدريس العرب اللغة الأردية، وهوداخل المقررات الدراسية في جامعة أم القرى مكة المكرمة، وهناك بعض الكتب في اللغة منها:"أساس اللغة العربية لتعليم غيرالناطقين بها"٣أجزاء، (في العربية) و"دروس الأطفال"(في الأردية).

وما كانت إسهاماته التأليفية محدودة في هذه الدراسات، وإنما هناك كتب ألفها في الحديث، والفقه، والمنطق، فهذا كتابه: "ارشادات نبوى كى روشنى ميں نظام معاشرت"(نظام المعاشرة في ضوء السنة) ترجمة وشرح كتاب: "الأدب المفرد" للإمام البخاري، وهذا كتيّب في الفقه باسم:"آسان فقه"(الفقه الميسّر) يتناول مسائل الطهارة بنوع من الاستيعاب، وهذاكتابه:"تفهيم المنطق" في المنطق، قام المؤلف فيه بتسهيل هذاالفن، وتقديمه في أسلوب أدبي، وفي لغة أردية سهلة مفهومة.

وقام الدكتور بالترجمة الأردية في الأسلوب الأدبي لعدة كتب وهي: "المرتضى" للشيخ أبي الحسن الندوي باسم"المرتضى" و"روائع من أدب الدعوة" للشيخ الندوي، وأسماه:"دعوت وتبليغ كا معجزانه اسلوب"، و"قصيدة العلامة النحوي المراكشي" وأسمى هذه الترجمة: "مصائب كا مداوا" و"إلى شاطئ النجاة" وأسمى ترجمته "خطرناك تكبر"، وهناك ترجمات لمقالات مختلفة طبعت في المجلات، وهذا كتاب:"مفصّل تبصره" ألفه الدكتور انتقادا على كتاب صدر من قلم أحد أعضاء الجماعة الإسلامية هجوا ونيلا من الشيخ أبي الحسن الندوي، والشيخ منظورالنعماني، والشيخ مولانا محمد يوسف الكاندهلوي بالإضافة إلى نيله من حركة الدعوة والتبليغ وأسسه الدعوية والتبليغية.

وله من إسهامات وافرة في الصحافة الإنكليزية، والعربية، والأردية إذ تولى إصدار مجلة إنكليزية من رابطة العالم الإسلامي، ثم أصدرمجلة أردية "ذكروفكر"من دلهي، بالإضافة إلى مشاركته العلمية والإشرافية في مجلة: "تعميرحيات" الأردية الصادرة في لكناؤ، ومجلة:" Fragrance of East. (Lucknow). وقد تشكلت فيمابعد هذه الإنجازات الصحفية كتابين مستقلّين: گارشات" (رشحات القلم) و"مشاهدات وواردات" (المشاهدات والماجريات) .

*****

Comments

  1. أخوكم فى الله محمد نجم الثاقب ناصرى من دربنجه بيهار الهند، الطالب فى الأزهر الشريف حالياً
    فتحت هذا الموقع واستفدت من هذا المقال الوقيع المحتوى على جميع جوانب الشيخ عبد الله عباس الندوى رحمه الله والحمدلله وبارك الله فيكم جميعاً

    ReplyDelete
  2. بارك الله فيك استاذ ثاقب،،،، أتمنى لك التوفيق والتألق

    ReplyDelete

Post a Comment

Popular posts from this blog

الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى

النظريات الأدبية في الأدب العربي بين الأصالة والمعاصرة

جهود العلماء الهنود في المعجمية العربية