الجانب الأدبي لتاج العروس من جواهر القاموس

الجانب الأدبي لتاج العروس من جواهر القاموس

د/ قمرشعبان الندوي
مركز الدراسات العربية والإفريقية
جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي ، الهند

المعاجم اللغوية التي هي أصلا دفتر لشرح المفردات، وبيان دلالاتها، وذكر مشتقاتها، وتوضيح جذورها وأبنيتها، وإبانة الفروق بين مادة ومادة، وبين تعبير وتعبير، وحل غريب اللغة، ومعقداتها، ومعضلاتها، ثم إن المعجمية صلتها باللسانيات أو علم اللغة أو اللغويات، موضوعها اللغة ولا الأدب، ولكن الدراسة الممعنة في المعاجم اللغوية العربية القديمة خاصة تستنتج أن أهميتها الأدبية، وجانبها الأدبي يتقاضى من الباحثين واللغويين دراسات مستقلة ومركّزة، وعناية المعنيين بهذا الحقل.
 لقد تحتفظ معاجمنا اللغوية العربية بكنز عظيم للأدب، وخاصة الأدب القديم، رغم أن وظيفتها الشرح، والتفسير، والإيضاح، والاشتقاق، وبيان التطورات اللغوية في الثقافات، والبيئات، والجنسيات المختلفة عبر الزمان، ولكن مادتها مستدلة، ومبرهنة بالنصوص الأدبية من الشعر، والأمثال، والحِكم، وأقوال العرب.
إن هناك الكثير من المعاجم اللغوية العربية التي تتسم بهذه السمات الأدبية في التاريخ، نجد كلا من الخليل، وابن دريد، وابن فارس، وابن سيده، والجوهري، وابن منظور، وأصحاب المعاجم العربية القديمة يهتمون ببرهنة شروحهم اللغوية بالقرآن، والحديث، والشعر، والأمثال، والحِكم، وأقوال العرب القدامى، وتعاملات أصحاب البوادي والأرياف، وإنني في هذه العجالة لا أريد أن أتحدث إليكم عن تاج العروس في منظور فن المعجمية العربية، رغم أنه موضوع ذو أهمية كبرى في الحقل اللغوي واللساني، إنما تكون دراستي مركزة في السمات والجوانب الأدبية التي يمتاز بها معجمنا: "تاج العروس من جواهر القاموس" عن المعاجم اللغوية العربية الأخرى.
ربما لايخفى على دارسي العربية، وباحثيها أن تاج العروس شرح "للقاموس المحيط" لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، أنجزه مرتضى الزبيدي في مدة أربعة عشر عاما فصاعدا، خلال الفترة مابين: (1174-1188هـ)، كان الزبيدي من المحدثين العمالقة كما يبدو من دراسة فهرس الفهارس للكتاني، كان أثناء تدريسه الحديث النبوي الشريف، وأثناء مجالسه الحديثية في أمكنة مختلفة بالقاهرة في مصر، يراجع أمهات المعاجم اللغوية، ويشرح القاموس المحيط لأهميته اللغوية والمعجمية، كما يقدم الأبيات والأمثال والحِكم العربية لتدعيم الدلالات، وبرهنة المعاني.
إن المادة الأدبية أو النصوص الأدبية التي تتوافر في صفحات التاج مستخلصها كالتالي:
1-    الآيات البينات للقرآن الكريم: يقول في مادة : "ردأ" ( الردء، بالكسر) في وصية عمر رضي الله عنه عند موته: وأوصيه بأهل الأمصار خيراً، فإنهم ردء الإسلام وجباة المال (العون) والناصر، قال الله تعالى: "فأرسله معي ردءاً يصدقني".
2-    الحديث النبوي الشريف.
3-    الشعر العربي: يقول في شرح كلمة : (أتعب: أتعب العظمَ: أعتبه بعد الجَبر) أي جعل      له  عتَباً، وهو العيدان المعروضة على وجه العود،........، وبعير متعَب: انكسر عظم من عظام يديه أو رجليه ثم جُبر فلم يلتئم جَبره، ثم حُمل عليه في التَعَب فوق طاقته فتتمم كسره، قال ذو الرمة:    
إذا نال منها نظرةً هيض قلبه
بها كانهياض المتعَب المتتمِّم
5-    الأمثال العربية للأعراب: قال في مادة: (الخُلب والخُلُب : الطين: قال رجل من الأعراب لطبّاخه:"خلِّب ميفاك حتى ينضج الرودق" خلِّب: طيِّن، ميفى: طبق التنور، الرودق: الشِّواء".
لقد بدأت أعد الأبيات والأمثال العربية ذات يوم في الجزء الثاني والعشرين من هذا المعجم العملاق، فوجدت عدد الأبيات أكثر من أربع مئة وخمسين بيتاً، وذلك في جزء واحد فقط، وهناك الأربعون جزءاً، وكل جزء من هذه الأجزاء الأربعين متضمن هذه الكمية من الشعر والأمثال، ولو ضربنا أربع مئة وخمسين بأربعين لكان المجموع ثمانية عشر ألف بيت من الأبيات، وهذا عدد تقريبي ولا تحديدي.
وعصارة القول: إن معجمنا تاج العروس من جواهر القاموس يتميز بكل ما تتسم به المعاجم اللغوية العربية الأخرى باحتوائه على النصوص الأدبية من الشعر، والأمثال، والحِكم، وأقوال العرب القدامى، وتعاملاتهم، وسلوكياتهم، وزد على ذلك الآيات البينات للقرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، من كل العصور القديمة التي تتبوأ مكانة المصدر والسند والثقة اللغوية والأدبية.

وأهم ما يمتاز به التاج عن المعاجم العربية الأخرى، إن الزبيدي حينما يشرح مادة عربية لايكتفي بذكر كلمة بديلة ومرادفة أخرى فحسب، بل يخيل للقارئ المراجع أنه يقرأ مقالة تتسم بالأسلوب الأدبي بأتم معنى الكلمة حول كلمة يتناولها المؤلف بالشرح والتبين.
وإن هذه السمات الأدبية تجعل المعجم يتبوأ مكانة أدبية قيمة ورفيعة مميزة فيما بين المعاجم اللغوية العربية الأخرى اليوم على المستوى الدولي، ويحق تماما أن يكون تاج عروس اللغة العربية، الذي تمت صياغته من لآلي القاموس المحيط العربي.

وأكتفي بهذا
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


Comments

  1. Replies
    1. شكرا هبه على مرورك الطيب لعلنا لقد كنا التقينا في إسطنبول في ندوة الأكاديميين الشباب حول النورسي

      Delete
  2. الجانب الأدبي لتاج العروس من جوهر القاموموضوع مميز يستحق قراءته
    الزواج

    ReplyDelete
    Replies
    1. المعجمية ظلت اليوم موضوع اللسانيات والدلالة ، ولا يهم أحدا جانبها الأدبي، وخاصة في المعاجم اللغوية العربية القديمة أمثال لسان العرب، وصحاح الجوهري، والقاموس المحيط، ولاسيما معجمنا هذا تاج العروس، لقد بذلت جهودا لاكتشاف جانب من الجوانب الادبية في هذا المعجم

      Delete

Post a Comment

Popular posts from this blog

الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى

النظريات الأدبية في الأدب العربي بين الأصالة والمعاصرة

جهود العلماء الهنود في المعجمية العربية