إن العالم العربي بحر بلا ماء كبحر العروض



إن العالم العربي بحر بلا ماء كبحر العروض

د/ قمرشعبان الندوي

إن بعثة الأنبياء والمرسلين إلى العالم العربي بعدد وافر تدل على شيء تاريخي مدهش جدا، لم تكن تهدف البعثة في زمن من الأزمان إلا إلى الدعوة الإسلامية، والإصلاح، والترشيد، والتزكية، وإنقاذ الأمم والشعوب من هوة الهلاك والدمار، وتخليصها من التعاسة إلى السعادة، وعلى أصح التعبير كما ارتجله صحابي الرسول العربي محمد-صلى الله عليه وسلم- ربعي بن عامر رضي الله عنه:

"ألله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"

لقد تمركزت جهود الأنبياء في إخراج الناس من عبادة الآلهة الزائفة الباطلة إلى الله الواحد القهار، ومن ضيق الدنيا وذلها وهوانها واضطهادها إلى العدل السماوي الرباني الذي لايمسه ظلم ولا قسوة ولا خيانة،،، لقد أرسل إلى الامم السابقة نوح وإبراهيم وصالح وهود ويعقوب ويوسف وإسماعيل وموسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس واليسع ويونس ثم ختمت هذه السلسلة الذهبية النورانية الربانية السماوية الخالدة بنبوة خاتم الرسل وإمام الكل وسيد الأولين والآخرين محمد -صلى الله عليه وسلم-.

لقد هدم الرسول العربي صلى الله عليه وسلم قصور الظلم والطغيان والتقاليد الجاهلية التي كادت تقضي على الإنسانية ، كما رفض العصبية القبلية ورحب بالأخوة والمحبة والمواسة والمواخاة،،، لقد سلك البشر والبشرية بسلك حبل الله المتين الذي تم عقده بالعدل والمواساة والمحبة ،،، وقد جمع شتات الأمم والشعوب على مائدة إنسانية وأخوية واحدة،، وبوحدة الربوبية والأبوبية، إذ قال في حجة الوداع:

""يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وأدم من تراب، لافضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى""""

إن هذه الوصفة الطبية المحمدية لازالت تضمن صلاح المجتمع البشري ،، وصلاحية حل كل الألغاز التي من أجلها تتعس الإنسانية اليوم بأسماء : القبلية، والوطنية ،، والشيوعية،، والطائفية ،،، والفلسفات الوضعية البالية ........لقد مرت قرون طوال على البعثة المحمدية -على صاحبها أفضل الصلاة وأعطر التسليم-، ولكن معنويتها وتأثيرها البالغ لازالت حتى الآن كما هي ،،، ،،،،،ولكن المشكلة التي طرأت على الأمم والشعوب اليوم هي أن العالم العربي الذي هو أرض البعثة، ومهبط الوحي، ومركز الدعوة الإسلامية،،، أصبح بحرا بلا ماء كبحر العروض،،،، لابتعاده عما تحمله البعثة من قيم وسلوكيات وتعاملات وتعاليم إنسانية،،، وتقهقر إلى الزمن الماضي قبل الإسلام الذي هو العصر الجاهلي،،،، وكاد أن يتمسك بجاهليته الجهلاء ،،وبتعاسته المدمرة للمتجمع البشري،، كما هو مشهود، ومشاهد اليوم على أراضي مصر و العراق،، وسوريا ولبنان،،، و فلسطين وفي كل العالم العربي،،،، وقد بلغ السيل الزبى لما رأى العالم كله أن المملكة العربية السعودية تنفق الملايين من الدولارات على الباطل، بدل أن تنفقها لمساعدة الخير،،، امتثالا بقول الله تعالى:: تعاونوا على البر والتقوى""" ولكنها فعلت ما فعلت من فعلات جهنمية خلال هذه الثورات العربية ،،، -هداها الله تعالى وسدد خطاها-- إن المملكة بلا ارتياب قامت بتوزيع المصحف القرآني ،، ولكن بدون أن ترى ما يحمله هذا المصحف القرآني السماوي من معنوية وربانية وإنسانية وأخوة ومحبة وعقيدة صافية،،، لقد آمنت المملكة بما استوردت إليها من أحكام من الغرب ،، ولكنها لم تؤمن بما يحمله القرآن ،،،

لقد قال النبي-صلى الله عليه وسلم-:
" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله،، ألا ، وهي القلب""

إن العالم العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية بمثابة قلب في جسد  العالم كله،،، إن العالم كله متأزم ومتألم من أجل فساد هذا القلب ،،، القلب يحمل معنوية جسدية وروحانية أيضا،،، لقد أصيب القلب بمرض جسدي وروحي،،،،، أيضا،،، ولايمكن علاج هذا المرض إلا عن طريق تعاليم الأنبياء التي هي تعاليم إنسانية وربانية سمحاء،، فيها الكرامة، وفيها الحرية،، وفيها العدل،، وفيها العز والشرف،،، وفيها المواخاة،، وفيها المواساة،، وفيها حل كل مشكلة العالم بل العالمين أجمع،،،وفيها وفيها وفيها............، إذا كان الإنسان تكتمل إنسانيته يتألم لأجل إنسان آخر على آلامه وهمومه،،،،وإذا كان الإنسان يحرم إنسانيته يتألم أناس آخرون من أجل اضطهاده، وظلمه، وقسوته، وخيلائه،،، فإن المملكة العربية السعودية المريضة جسديا وروحيا تحتاج إلى الوصفة الطبية المحمدية النبوية،،، ولايمكن علاجها بطبيب آخر،،،إن بعثة الأنبياء إلى العالم العربي بكمية هائلة  تشير بكل وضوح إلى أن هذه البقعة الأرضية كانت على غاية من الشقاء والجهالة والسفاهة والقسوة ،،وكان من المستحيل جدا تخليصها من الجاهلية التعساء الشقية إلا على أيدي رجال ونفوس قدسية سماوية تحمل رسالة سماوية ربانية لتكون المجتمعات البشرية صالحة للبشر وقابلة للعيش والتعايش المسالم،،،،  فكان عصر النبوة خير القرون،، : خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم،،،،::

إن العالم التعس المظلوم يستدعي ويسترعي انتباه هذه المملكة أن تخطو خطوات صالحة وسديدة ليسفر على العالم كله صبح جديد،، وتشرق على الأرض شمس جديدة تحمل رسالة السعادة والهناء ، ورسالة الأمن والسلام،، ورسالة الإنسانية والكرامة والعز،،،وليست هي إلا رسالة كتاب الله العزيز: "الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد" صدق الله العظيم

Comments

Popular posts from this blog

الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى

النظريات الأدبية في الأدب العربي بين الأصالة والمعاصرة

جهود العلماء الهنود في المعجمية العربية