قلب أصيب بالسرطان

قلب أصيب بالسرطان ؟؟!!


د. قمرشعبان الندوي


أما أدمعت عيونَكم، !!؟ أما أدمأت مُهَجَكم!!؟ أما أبكت قلوبَكم وأفئدتَكم؟؟ أما أطارت نومَكم؟؟ أما أشعلت نيرانَ غيرتكم الإنسانية، المجازر الإسرائيلية الوحشية التي مُورِست على الشعب الفلسطيني المشرّد في غزة البائسة المسكينة؟؟!! إن العالم العربي بأكمله يحترق ويئن تحت وطأة الصهاينة منذ عدة قرون،،،! فمن المسؤول عن ذلك؟؟!! أليس المسلمون متناحرين فيمابينهم بين شيعة وسنة، وبين درزية وعلوية، وبين سلفية وحنفية، وبين وبين وبين؟! فهم كالعهن المنفوش الذي لاوزن له ولاقيمة في كل العالم وعلى كل المستويات،،، وربما بل طالما الأحزاب المسلمة مستغلَّة على أيدي الأعداء في تشتيت المسلمين، وتمزيق شملهم، وتضعيف حالهم، وتتعس الإنسانية اليوم باسم القبلية، والوطنية، والطائفية، والعنصرية، والفلسفات الوضعية البالية، إذ ساد في المجتمع الغربي والإفريقي التمايز بين الأسود والأبيض، وفي المجتمع الهندي التميز العرقي والطبقي والعنصري والطائفي، هذا مولود من الرأس، وذاك من الصدر، هذه من البطن، وتلك من الرجِل، والأمة العربية تشتّت وانعزلت باسم القومية العربية من الأمة الإسلامية العالمية جمعاء، وقد انبثقت من جديد العناصر الجاهلية المهدمة، من الفينيقية والآشورية، والسامرية، والأمازيغية، والآرامية، والسوريانية،،،وأما الصهيونية فهي التي دعّمت وقوّت وأحكمت وسندت كل أنواع هذه العرقيات والعنصريات ليكون العالم كله ممزقا منفصلا بعضه عن البعض، ومنقسما إلى جماعات وحزبيات يسرى إلى عظامها الوهن، ويسيطر عليها الجمود والضعف، لكي يتحقق ما حلمه الآباء الصهاينة من: هرتزل، وباركوخيا، ودافيد روبين و سولومون مولوخ وسبتاي زيفي وروتشيلد وموسى مونتفيوريو ناثان برنباوم وبلفوروديفيد بن جوريون من أحلام لاإنسانية مدمرة للعمران، لتنشيط وتفعيل كل أنواع من الصهيونية الثقافية، والدينية، والعملية، والسياسية والاقتصادية، فسلكت من أجل ذلك هذه الدويلة الإسرائيلية كل دروب الوحشية والبربرية والقهر والاستكبار، ومارست في سبيلها كل صنوف من الهتك والفتك والقتل والغصب، والسفك، والدمار، والقصف، والهمجية، أليس ما شاهدت الأرض والسماء، والكواكب، والجبال الشاهقات من الصواريخ والقنابل المطلقة على سكان غزة من الأطفال، والرضعاء، والقوارير، والشباب، والشيوخ والرجال والنساء، في هذا الشهر المبارك من تعاسة وشقاء وهمجية هؤلاء الصهاينة العنجهيين المتكبرين؟؟!.
 وأما هذه الأمة العربية التي كانت على كاهلها قيادة العالم وريادتها فحكوماتها الآن دمى على أيدي الذين يسعون في الأرض الفساد والطغيان،،، وهي بحر بلا ماء كبحر العروض، اجتفت منابع الغيرة والحمية فيها، وضميرها مبيع على أيدي الغاشمين بثمن بخس دراهم معدودة، وكل الثروات الطبيعية التي أثرى بها خالق البشر من النفط والغاز والذهب والفضة تدوسها القوات الاستعمارية بأقدامها، وتستخدمها لاستئصال من يمتلكها من الأمة العربية.
ألا ترى أن هذه الحكومات الخليجية على بكرة أبيها تقهقرت إلى الماضي التعس المظلم الذي كان يفقد الرسالة السماوية الإنسانية الخالدة الصالحة للمجتمعات البشرية وشعوب العالم كله؟؟، إن كل ما هو مشهود ومشاهد اليوم على أراضي مصر والعراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين المسفوكة بالدماء بوجه مخصوص،  وعلى العالم العربي، والإسلامي، والإنساني كله بوجه عام، ذلك كله ليس إلا نتيجة اتباع القوانين التي وضعت لبنتها على الشهوات والفجور والظلم والدكتاتورية المستبدة التي لاتمسها الرحمة والرأفة والمرونة والهدنه والسماحة، والتي هي مدعّمة من العالم العربي الواهن الجبان، فهم غثاء كغثاء السيل.
وإن العالم العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية بمثابة قلب في جسد العالم كله،،، إن العالم كله متأزم ومتألم من أجل فساد هذا القلب المُسَرطَن،،، القلب يحمل معنوية جسدية وروحانية أيضا،،، لقد أصيب القلب بمرض جسدي وروحي معاً،،،،! ولايمكن علاج هذا المرض إلا عن طريق الوصفة الطبية المحمدية التي كانت حررت هذه الأمة من كل الأمراض في القرن السادس الميلادي، وهي لازالت تضمن صلاحية سد كل أنواع الخلل المنسلِّ  إلى المجتمع البشري، وهذه الوصفة عبارة عن الغيرة الإسلامية والإنسانية المتسمة بالكرامة، والحرية،، والعدل،، والعز والشرف، والمواخاة، والمواساة،، وهي التي ترفض كل أنواع الاستعباد والظلم، وتعطي المرأة المكانة التي تستحقها في المجتمع، إذا كان الإنسان تكتمل إنسانيته يتألم لأجل إنسان آخر على آلامه وهمومه، ويؤثر على نفسه الآخرين،،،،وإذا كان الإنسان يحرم إنسانيته يتألم أناس آخرون من أجل اضطهاده، وظلمه، وقسوته، وخيلائه،،، فإسرائيل بين أشداق العالم العربي عنصر يحرم هذه الإنسانية لأنانيتها، والعالم العربي فاشل في تلقينها بالإنسانية لأنانيته وطمعه السياسي والسؤددي، وإن المملكة العربية السعودية المريضة جسديا وروحيا لاترضى إلا أن تكون على رأس قائمة مدعمي كل من يتراءى مناصرا لها لبقاء المملكة السعودية.
إن العالم التعس المظلوم اليوم يستدعي ويسترعي انتباه هذه المملكة أن تخطو خطوات صالحة وسديدة ليُسفِر على العالم كله صبح صادق،، وتشرق على الأرض شمس جديدة تحمل رسالة السعادة والهناء، ورسالة الأمن والحياة،، وتستعيد الغيرة التي عرفت هذه الأمة عبر التاريخ،  لكيلا تتكرر المجازر التي أقامتها الصهيونية على شعب مظلوم مستضعَف، ولكيلا تتجرأ دولة من دول العالم على ممارسة ما يمارَس في مصر من فضائح الاغتصاب والقصف والهتك، وإن لم تسعد هذه المملكة بهذه السعادة، وإن لم تستعد هذه المملكة بهذا الإعداد اللازم، وإن لم تتخلص هذه المملكة من السرطان الذي أصيب به قلبها فسيأتي الله بقوم لايكونون أمثالها "وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم".

Comments

Popular posts from this blog

الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى

النظريات الأدبية في الأدب العربي بين الأصالة والمعاصرة

الأستاذ محمد ناظم الندوي شاعرا.