ثم لم تُشرِق لي شمسُها بعدُ !!!!؟ (خاطرة)

ثم لم تُشرِق لي شمسُها بعدُ !!!!؟
(خاطرة)
د. قمر شعبان الندوي
اتصلت بي ووعدت اللقاءَ، فلقيت مرة، ثم أخرى،،، وغابت عني بعده غَيبةً بدأت تهمني، فتصبرت عليها يوما فيومين ثم ثلاثة أيام، ،،، وذات يوم ظهرت لي في الطريق، وكانت متعجلة ، سلمت عليها ، أم هي التي سلمت عليَّ،،، ومثلت أمامي كأنها سيرين البحر الأبيض أو حورية جنة الصفاء والنقاء، في ملبسها الأنيق الخلاب، مظهر كأنه شمس تتفجر من وراء بحر الغيوم، كل شيء على حسابه ونصابه روعة،، ولكن عينيها النافرتين أثارتا غيرتي، كأنها لاتريد رؤيتي ولو من بعيد.. تحدثت معي بعض الجمل على الرغم من أنفها، كنت أنوي على الإطالة، وكانت خطواتها المتقدمة إلى الأمام تقول لي إنها لاتريد معي البقاء أكثر، فهي هاربة مني كل الهروب، فودعتها بعيون دامعة بل دامئة مع كلماتي : "اعتني بنفسك".
إنها غربت عني، ولكنها تطرقت إلى مخي، تتعرض لشعوري، ومشاعري، وأخيلتي كطيف يُلِمُّ، غلبتني على فكرتي، طفقت أراها وأنا على موائد الغداء والعشاء والفطائر، وعلى طاولة الشأي العصري عند اصفرار الشمس قبيل غروبها، لقد أثار هذا المنظر عاطفة من التألم والأسى، لاشك أن اصفرار الشمس يسر الناظرين، ولكنه يؤدي إلى الملل فإن بعده الغروب.،،،.
هل غربت عني، أم هي متكسفة بحاجز يحجزها ؟؟
جعلت أعيش على هذه العاطفة،،، لم تدعني أنام حتى الوقت المتأخر من الليلة، تنبهت صباحا، وأنا متعَب منهك مغلوب السهاد تحمرُّ عيناي أرقا، وينشق الرأس صداعا، أتيت عملي على غير الحالة الطبيعية كل يوم، كنت أخطو خطوات كأنها تحت وطأة الصخور الصلدة، وكان خاطري مشغولا بما يخطر به من آثار ما تركه السهاد لجفوة وغلظة هذه الفاتنة الغائبة الحاضرة التي شغلت بالي، وأثقلت خيالي، وسرقت مشاعري.

 وكنت أمر على الطريق مع هذه الأزمة، منهك الخاطر، إذ طرق باب أذني صوت "السلام عليكم سيدي"، صوت يبلغ في عذوبته وحلوه مبلغهما، لايتغنى بأجمل منه البلبل في ترانيمه الصباحية على غصون الخيزرانة، صوت أيقظني من سبات الحزن وخمار السهر، استحليته، والتفت إلى هذا الصوت المعسول بقلبي، وعين خاطري، قبل أن ألتفت إليه بقالبي وكياني، فإذا هي !! هي الغائبة الفاتنة الساحرة التي طار لها نومي منذ أيام، كانت تتفتح قسماتها، وتفيح بسماتها بعبير المسك، وريا القرنفل بحد تعبير الشاعر الجاهلي امرئ القيس : "نسيم الصبا جاءت بريَّا القرنفل" ، وهي على همالايا الصباحة والملاحة، إذ تحرَّك لسانها، ونثر لآلئ كلمات على شفاهها الباسمة الندية، ولكن الزي الذي اكتسته اليوم لايخلب الباصرة، ولايجتذب الناظرة، إنما ذاك منسوج من صوف البساطة، وقطن السذاجة، بخيوط من الصندل، وتم غسله بماء حوض العنبر، فيتشذى المكان من شذاه، وتتلظى الحواسُّ، وأعماق الكبد من حرارة أنفاسها الشاذية، قمت أمامها غاضّ الطرف لأتعطر من فوحتها، وأستدفئ بحرقتها... ولكن لم يبق وهج أشعتها إلا لحظات، فنطقت: "سأتصل بك غدًا" واحتجبت عني قبل أن يرتدّ إليَّ طرفي، وغابت،،، ثم لم تُشرِق لي شمسُها بعدُ!!؟؟.  

Comments

Popular posts from this blog

الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى

النظريات الأدبية في الأدب العربي بين الأصالة والمعاصرة

جهود العلماء الهنود في المعجمية العربية