مرتضى الزبيدي: دراسته ورحلاته

مرتضى الزبيدي: دراسته، ورحلاته


د/ قمر شعبان الندوي

دراسته في المدن الهندية المختلفة:
تلقى الزبيدي النواة الأولى من العربية، والفارسية في بلكرام، ثم توجه إلى سنديلة[1]، وكان وقتذاك في الثاني عشر من عمره، حيث استقى من العلامة أحمد ابن علي السنديلوي[2]، ومن هناك قصد إلى خيرآباد، وتتلمذ على صفة الله الخيرآبادي، والآخرين، ثم سافر إلى الله آباد، حيث الكلمة النافذة للملا فاخر الملقب بـ"زائر" الله آبادي[3] في مجال التدريس فاستفاد منه الزبيدي، ثم اتجه إلى أكبر آباد، وتتلمذ على الشيخ يسين العباسي، ومنها وصل إلى دلهي، وتلقى من العلامة المحدث نور الدين محمد القبولي(ت1160هـ)، ودرس الحديث على يد الشاه ولي الله الدهلوي، وقد ذكر الزبيدي في إحدى مذكراته أنه حضر دروس الشاه ولي الله الدهلوي(ت1176هـ) في بيته[4]، ومافتئ الزبيدي ينتهل من هذين العالمين إلى سنة 1160هـ، وهو يبلغ الخامس عشر من عمره، ثم سافر إلى سورت بكجرات، وانتهل من الشيخ خير الدين محمد زاهد السورتي، ومكث بها سنة كاملة.  
رحلته إلى زبيد باليمن:
كانت العلوم المعقولة وقت بواكير شباب الزبيدي سائدة ورائجة في الأوساط العلمية بالهند أكثر من العلوم المنقولة، والزبيدي يتحاشى كثيرا من المعقولات، ويرغب في المنقولات، ولم يجد في الهند من المنقولات إلا الحديث الشريف عند الشاه ولي الله الدهلوي، فاستفاد منه ما استفاد، ولكن شغفه الزائد بالعلم حداه على الارتحال إلى زبيد، باليمن، التي كان صيتها في حقل العلم والمعرفة منتشرا طول العالم، فقد وصل الزبيدي إليها عام 1161ه/1748م، وطاب له أن يستقي من ينابيعها العلمية والمعرفية، فتتلمذ على الشيخ رضي الدين عبد الخالق المزجاجي الزبيدي[5]، وروى عنه القاموس المحيط للفيروزآبادي[6]، واستفاد من محمد بن علاء الدين المزجاجي، ثم التفت إلى إحدى أسرة زبيد، التي كان لها الدور العظيم في الإفادة والتدريس، وعلى رأسها وقتئذ أحمد بن محمد مقبول الأهدل[7]، وظل في مظله التعليمي، والتربوي مدة طويلة من الزمن، وقمس في بحر علمه الفياض، لقد أعجبته البيئة التعليمية والتربوية الزبيدية، وأجازه مشائخ المذاهب الأربعة فيها، ومكث هناك طويلا، فعرف من أجل ذلك بــ"الزبيدي"، ولكنه لم يشبع من هذه الدراسة، فاشتد حرصه على الاستفادة من علماء الحجاز.
رحلته إلى الحجاز: 
زار الزبيدي الحجاز مرات في طلب العلم، والقيام بأداء مناسك الحج، ولكنه للمرة الأولى ارتحل إليها عام 1164هـ/1751م، كما صرح بذلك غلام علي آزاد البلكرامي أن محمد مرتضى في باكورة شبابه تكرم بزيارة الحرمين الشريفين، وذلك عام 1164ه[8]. أما الأستاذ المعصومي فقد ذكر عام 1163ه[9] فهذا خطأ، لأن مآثر الكرام هو المصدر الأولي بالنسبة لمرتضى الزبيدي، وآزاد البلكرامي كان حيا وقت كتابته عن سفر الزبيدي إلى الحج.
 هذا وذاك، إن الزبيدي أثناء زيارته للحجاز التقى بالشيخ عبد الله الميرغني في الطائف، ودرس عليه الفقه، وكثيرا من مؤلفاته، و لقي في المدينة المنورة بالشيخ السيد عمر بن أحمد الحسيني المكي، وسمع منه الحديث المسلسل عند باب الرحمة في المسجد النبوي الشريف، وكما أدرك الشيخ أبا عبد الله محمد بن محمد الشرفي (1110-1170هـ) بالمدينة المنورة، وقرأ عليه عدة أجزاء من: "القاموس المحيط"[10]، وفي إحدى زياراته لمكة المكرمة التقى بشيخه عبد الرحمن العيدروسي، الذي شوّقه إلى مصر، وأخذ عنه الطريقة العيدروسية، وقرأ عليه "مختصر المعاني"، وطرفا من إحياء علوم الدين للغزالي[11]، ولازمه ملازمة قوية، وبمشورته عزم على الترحل إلى مصر[12]، ولكنه لازال في مكة المكرمة، وانتهل من علماء الحرمين الشريفين، وفي 1166هـ/1753م لقي السيد عبد الله بن إبراهيم الطائفي في الطائف، وقرأ عليه رسالته في مناقب السيدة فاطمة الزهراء-رضي الله عنها-، ولقي الشيخ أبا الحسن بن محمد صادق السندي المدني، صاحب الشروح على الصحاح الستة، والمولوي خير الدين السورتي بن محمد زاهد في مكة المكرمة، واستفاد منهما،  ثم عاد إلى اليمن، وأقام بزبيد حتى
 عام 1167هـ[13].
في مصر:
في 9 صفر 1167هـ/ 5 ديسمبر 1754م وصل الزبيدي إلى مصر، ونزل بـ"خان الصاغة"، وبدأ ينتهل من علمائها في الحديث، واللغة، والسند، لقد أخذ عن السيد علي المقدسي الحنفي، والشيخ أحمد الملوي، والجوهري، والشيخ الحفني، والبليدي، والصعيدي، والشيخ حسن المدابغي، وغيرهم [14]، ومنحه كل منهم الإجازة في الحديث، كما اعترفوا بعلمه، وفضله، وقوة ذاكرته، وذكائه المرهف، ونظره الثاقب المتقد، وطاف المدن المصرية الأخرى في طلب العلم، وتلقى السند العالي في الحديث، ثم توجه إلى الصعيد ثلاث مرات، واستفاد من علمائها، فقد أكرمه الشيخ همام، وإسماعيل أبو عبد الله، والآخرون من هذه المدينة، ثم خرج إلى المناطق البحرية المصرية من أمثال: دمياط، ورشيد، والمنصورة، والمرافئ المصرية الأخرى مرات وكرات، واجتمع بشيوخ هذه البلدات، واستقى منهم الحديث، وتلقى عنهم الإجازة[15].
رحلاته الأخرى في طلب العلم:
وكان الزبيدي حريصا غاية الحرص على تلقي السند العالي في الحديث، كعلماء القرون الأولى، فلأجل ذلك تجشم مشاق السفر إلى الأماكن البعيدة، فرحل إلى أسيوط، وجرجا، وفرشوط، ثم إلى تونس، وفاس، وتلمسان، كما أخذ عن شيوخ
 المغاربة، و توجه إلى نابلس، وتلقى عن الشيخ الشمس محمد بن أحمد بن سالم
 السفاريني الحنبلي في عام 1179هـ/1765م[16].
أساتذته:
خرج الزبيدي في سبيل العلم من بلكرام، ومر بسنديلة، وخيرآباد، وإله آباد، ودلهي إلى أن وصل غرب الهند بسورت، ثم غادر الهند، وتوجه إلى زبيد، باليمن، ثم إلى الحجاز، فدوخ مدنها من مكة المكرمة، والمدينة المنورة، ثم حداه شغفه بالعلم على شد الرحال إلى بلاد العلم، والعلماء، ومجمع الحضارة العربية مصر، ولقد طاف مدنها، وموانيها، وأقاصيها، ثم سافر إلى المغرب، وتونس، والبلدان الأخرى، ولم يأل جهدا في الالتقاء بكبار علماء عصره، ليأخذ عنه السند العالي في الحديث، فلاغرو إذاً بعد هذه الرحلات العلمية أن يتجاوز عدد أساتذته عن المآت، وأنى للباحث أن يتحدث عنهم جميعا في هذا الفصل، وإنما هو يتقاضى موسوعة كاملة، وللزبيدي فضل أنه لم يترك هذا المجال للآخرين، فقد دون معجما عن شيوخه وأساتذته، الذين تتلمذ عليهم في الحديث، واللغة، والفقه، والتفسير، و أخذ عنهم السند في رواية الحديث، من بلاد الهند، ومن البلدان العربية المختلفة، لقد ظهر هذا المعجم إلى حيز الوجود بعنوان: "معجم شيوخ الزبيدي" الذي حققه الدكتور محمد مطيع الحافظ، وصدر من دار البشائر بدمشق عام 1420هـ/1999م[17]، ولكن ياحبذا لوكان الكتاب متواجداً في مكتباتنا بالهند لكان الحديث عن أساتذة الزبيدي ميسورا لنا، وقد ذكر الزبيدي بنفسه أن عدد أساتذته، وشيوخه يناهز 300 أستاذٍ[18].
لقد أورد المؤرخ الهندي عبد الحي الحسني إجازة[19] للزبيدي، وذكر خلالها أسماء عديدة لشيوخه، أسرد هنا أسماء بعضهم، ثم أتحدث عن بعضهم بقدر من التفصيل من أساتذته بالهند، وزبيد والحجاز، ومن مصر أيضا:
1-                   نجم الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن عقيل الحسني.
2-                   أحمد بن عبد الفتاح بن يوسف الملوي.
3-                   أحمد بن حسن الخالدي.
4-                   عبد الله بن محمد الشبراوي.
5-                   السيد عبد الحي بن الحسن البهنسي.
6-                   أبو المكارم محمد بن سالم الحفني.
7-                   أحمد بن عبد المنعم الدمنهوري.
8-                   أبو المعالي الحسن بن علي المدابغي.
9-                   السيد محمدبن محمد البليدي.
10-               أحمد بن شعبان الزعبلي.
11-               محمد بن علاء الدين البابلي.
12-               أبو عبد الله محمد بن أحمد العشماوي.
13-               محمد بن عيسى بن يوسف الدنجاوي.
14-               مصطفى بن عبد السلام المنزلي.
15-               سالم بن أحمد النفراوي.
16-               سليمان بن مصطفى المنصوري.
17-               أبو السعود محمد بن علي الحسني.
18-               عبد الله بن عبدالرزاق الحريري.
19-               محمد بن الطيب الفاسي.
20-               محمد بن عبد الله بن العرب التلمساني.
21-               علي بن العربي السقاط.
22-               عمر بن يحيى الطحلاوي.[20]
هذه أسماء بعض أساتذة الزبيدي التي أوردها عبد الحي الحسني في الإعلام، ولم أعثر على معلومات عن تفاصيل استفادته عنهم بالتحديد، أللهم إلا أسماء بعضهم الذين نجد ذكرهم فيما كتبه المعصومي عن الزبيدي في مجلة: "المجمع العلمي الهندي" الصادرة في جامعة على كراه الإسلامية، والذين استفاد منهم الزبيدي في مختلف البلدان العربية، فأنا أكتفي هنا فقط بسرد أسمائهم، مع ذكر الأماكن التي تتلمذ عليهم فيها، ولا أطيل الكلام عن ذلك.
 أساتذته في زبيد:
1-                   رضي الدين عبد الخالق المزجاجي.
2-                   محمد علاء الدين المزجاجي.
3-                   أحمد بن محمد مقبول الأهدل .
أساتذته في الحجاز:
1-                  الشيخ عبدالله المير غني (في الطائف).
2-                  عمربن أحمد الحسيني المكي(المدينة المنورة).
3-                  أبو عبد الله محمد بن محمد الشرفي.
4-                  عبدالرحمن العيد روسي.
5-                  السيد عبد الله بن إبراهيم الطائفي.
6-                  أبو الحسن بن محمد صادق السندي المدني.
أساتذته في مصر:
7-                  السيد علي المقدسي الحنفي.
8-                  الشيخ أحمد الملوي.
9-                  المعلم إبراهيم الجوهري.
10-              الشيخ يوسف الحفني.
11-              السيد محمد البليدي.
12-              علي بن أحمد الصعيدي.
13-              الشيخ حسن المدابغي.
14-              الشمس محمد بن أحمد سالم السفاريني الحنبلي.




[1] - وهي قصبة في ولاية أترابراديش ، على بعد خمسين كيلومترا تقريبا من لكناؤ على الجانب الغربي في شارع هردوئي ، وهي قصبة تاريخية برزت على مسرح تاريخها العلماء والمؤرخون.
[2] -  كان من كبار علماء عصره في المعقولات.
[3] - كان إماما في هذه المدينة ، توفي 1164هـ.
[4] - أنظر أبجدالعلوم ، ج: 3، ص: 24.
[5] - كان المزجاجي من كبار علمائها في زبيدي آنذاك ، وقد كان أمضى بعض حياته في الهند ، واستقى من علمائها ، من أمثال: العلامة حيات السندي ، والشيخ عبدالكريم الهندي.
[6] - أنظر: المعصومي ، بحوث وتنبيهات ، السفرالأول ، ص: 267.
[7] - كان هذا الأهدل على علم جم من المنقولة والمعقولة من المنطق والحساب والنجوم والهيئة ، وله شهرة في تسوية المسائل المعقدة  (أنظر: معارف ، ص: 104-108).
[8] - أنظر: مآثرالكرام ، ترجمة السيدالقادري جد مرتضى الزبيدي.
[9] - بحوث وتنبيهات ، السفرالأول : ص:267.
[10] - نفس المصدر.
[11] - وهذه الدراسة كانت البذرة الأولى لإنجاز شرح طويل لهذا الكتاب الذي قد جاء على حيزالوجود حول العنوان: أتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين.
[12] - معارف ، العدد: 2 ، المجلد: 19 ، ص: 106-107.
[13] - بحوث وتنبيهات ، السفرالأول : ص:268.
[14] - سيأتي ذكر أساتذته في الفصل الثالث من هذا الباب.
[15] - أنظر: عبد الرزاق البيطار ، حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر ، ج: 3 ، ص: 1493.
[16] - راجع: أبجد العلوم ، ج: 3 ، ص: 19.
[17] - الكتاب ليس بمتناول يدي ، إنما وجدت هذه المعلومات عن هذا المعجم في: "العروس المجلية في أسانيد الحديث المسلسل بالأولية " للحافظ صفي الدين محمدبن أحمد البخاري الأثري ، وقد قام بتخريج أحاديثه العلامة مرتضى الزبيدي ، وحققه محمدبن ناصر العجمي طبع في دارالبشائر الإسلامية ، ص:10. 
[18] - أنظر: الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام، دارابن حزم، بيروت 1999م ، ج:7 ، 1111.
[19] - وهي شهادة يمنحها المحدثون تلامذتهم ، ويسردون فيها أسماء الشيوخ الذين تلقوا عنهم الحديث تدرجا من أستاذه إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- ولهذه الإجازة أهمية كبيرة عند المحدثين ، كما لهذا السند دور عظيم في تطوير مستويات المحدثين ، ولم يبق هذا الفن في عصرنا إلا ما شذ وندر في البلاد العربية من الشام والأخرى. 
[20] - للتفصيل راجع إلى: الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام ، 1109-1111.

Comments

Popular posts from this blog

الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى

النظريات الأدبية في الأدب العربي بين الأصالة والمعاصرة

جهود العلماء الهنود في المعجمية العربية